مهمتنا تبدأ وتمضي بكم/ن

Silat Wassel Logo

قيم الأسرة المصرية.. أداةٌ سلطوية لمُحاكمة النساء وقمع أجسادهن

اشتركوا في

النشرة البريدية الشهرية

تم الاشتراك في النشرة بنجاح تم حدوث خطأ غير متوقع

تابعونا على

وسائل التواصل الاجتماعي

تم حفظ المقال في المفضلة
تم نسخ الرابط بنجاح!
03/11/20252:12 م

مصر مقبرة النساء. لا أعرف كم من العاديّة سنُضفي على هذه الجملة، كي تُصبح كل الأحداث الآتية من بعدها مُطَبَّعة.

فالاعتراف بهَول الكارثة لا يعني تطبيعها، بل يعني إدراك وحشيتها، ومحاولة العمل لإيقافها، أو الحديث عنها كأقلّ ممكن!

أستذكر عبارة المقبرة بعدما عادت قضية اعتقال صانعات المحتوى على منصة تيكتوك في مصر إلى الواجهة مجددًا، إذ قررت محكمة القاهرة الاقتصادية في مصر، تأجيل ثاني جلسات محاكمة التيك توكر المصرية المُلقّبة بسوزي الأردنية، لجلسة الأربعاء 15 تشرين الأول الفائت، بتهمة نشر فيديوهات “خادشة للحياء”. 

علمًا أنها تنشر فيديوهات رائجة، ترقص فيها وتمزح وتستعرض ملابسها كسائر مستخدمي التطبيق. وبذلك تواجه سوزي محاكمة مزدوجة بنفس التهمة مجددًا والتي حُكم عليها فيها سابقًا بغرامة ماليةٍ سبق أن دفعتها بالفعل!

كما أقرأ مُستعجبةً عباراتٍ كبيرة وفضفاضة تستخدمها بعض وسائل الإعلام لتصف فعل سوزي بـ”النشاط الإجرامي”، وتعُدّ لائحةً طويلة من “تُهمها” كما تتهمها بـ”الاعتداء” على ما يُدعى “قيم الأسرة المصرية” وتصفها بـ”المُتّهَمة”. 

الاعتراف بهَول الكارثة لا يعني تطبيعها،
بل يعني إدراك وحشيتها

وأستذكر مقابل ذلك كل خبر تحرشٍ أو اغتصاب جماعي أو قتلٍ بدافع “الشرف” أو “الحب” تواجهه النساء في مصر وسط سكوتٍ عام من المجتمع والدولة في أحسن الأحوال، أو تبريرٍ ممنهجٍ لسلوك الجنات ولومٍ واضح للضحايا/الناجيات في أسوأ الأحوال.

تعتقل السلطة المؤثرات في مصر بموجب المادة 25 من قانون “جرائم تقنية المعلومات” رقم 175 لعام 2018؛ التي تنص على عقوبات وغرامات على كل من قام بـ: الاعتداء على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، ومنح بيانات شخصية لنظام أو موقع إلكتروني للترويج السلعي، وغيرها من الأفعال. مع عدم وضوح الصياغة التشريعية للمادة 25.

محاكمة مزدوجة لسوزي الأردنية بنفس التهمة مجددًا!

انتهت جلسة محاكمة المتهمة سوزي الأردنية يوم 15 تشرين الأول، للمرة الثانية أمام المحكمة الاقتصادية. بينما طالبت النيابة العامة خلال مرافعتها بتطبيق العقوبة المقررة في القانون، مؤكدة أن أوراق القضية وما تضمنته من أدلة فنية وشهادات الشهود تثبت ارتكاب سوزي للاتهامات المسندة إليها.. 

بالمقابل، تمسك محامي سوزي بطلب البراءة لموكلته، مؤكدًا أن القضية تفتقر إلى الدليل القاطع، وأن ما ورد بالأوراق لا يرقى إلى درجة اليقين الكافي للإدانة، مشيرًا إلى أن موكلته سبق وأن أُدينت بنفس التهمة سابقًا، ودفعت ثمن خطئها، بحسب قوله. وتابع: “ولا يجوز محاسبتها مرتين عن فعل لم ترتكبه هذه المرة”.  

بدورها قالت سوزي خلال المحاكمة إن: “الغلطة اللي أنا عملتها اتحاسبت عليها، بس أنا المرة دي ما عملتش حاجة أتحاسب عليها”.

 أن القضية تفتقر إلى الدليل القاطع،
وأن ما ورد بالأوراق لا يرقى إلى درجة اليقين الكافي للإدانة

يُعلّق المحامي الحقوقي بمركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، عمرو محمد، في حديثٍ خاص حول القضية: “سوزي تحاكمت في السابق بتهمة نفس الفيديوهات التي أُحيلَت بها مؤخرًا إلى المحكمة، وهي بالفعل قالت ذلك في التحقيق وحُكِم عليها بغرامة وقتها 300 ألف جنيه”، ويتابع: “حقيقةً لا أحد يعرف لماذا يتم محاكمتها مجددًا على نفس الفيديوهات”!

وفي وقتٍ سابق قررت النيابة العامة المصرية إحالة صانعة المحتوى سوزي للمحكمة الاقتصادية بتهمه نشر الفسق والفجور ونشر محتوى خادش للحياء العام بعد قرار المنع من السفر والتحفظ على أموالها: إذ تسلّمت البنوك تعميمًا رسميًا بتنفيذ قرار محكمة جنايات القاهرة بالتحفظ على الأموال والأرصدة الخاصة بسوزي ووالدها ووالدتها، مع منعهم من التصرف بجميع ممتلكاتهم النقدية والعقارية والمنقولة، وذلك على خلفية ما كشفت عنه التحقيقات من حيازتهم لمضبوطات وممتلكات “مثيرة للجدل” بحسب وصف “اليوم السابع” وهي منصة إعلامية مصرية، والممتلكات “المثيرة للجدل” بحسب المنصة، هي الآتي: هاتف محمول ماركة ايفون 16 برو ماكس ذهبي اللون، شقة بالقاهرة الجديدة، مبلغ مالي 139682 جنيه على محفظة اتصالات.

موجة الاعتقالات لصانعات المحتوى بدأت منذ عام 2020،
إذ اعتُقلت أكثر من 15 فتاة

قرار الإحالة تم بناءً على عدد من البلاغات المقدمة من مجموعة محامين ضد صانعات المحتوى. بينما أكدت سوزي بحسب مبادرة حقي، أنها لم تنشر أي فيديوهات فيها لفظ خارج أو شيء مخالف للقانون بعد المحاكمة السابقة وأن مصدر أموالها شرعي ومعروف المصدر. علمًا أن الاتهامات التي تواجهها سوزي يمكن أن تصل للسجن 5 سنوات وغرامة مالية بقيمة 300 ألف جنيه على فيديوهات سبق وتم الحكم عليها!

محاكمة “الأسرة المصرية” لصانعات محتوى: قانونٌ فضفاض وأدلةٌ واهية 

كشف المحامي عمرو محمد في حديثه لصلة وصل أن: “موجة الاعتقالات لصانعات المحتوى بدأت منذ عام 2020، إذ اعتُقلت أكثر من 15 فتاة، لكن هذه الحملة منذ شهرين مختلفة لأن عدد الاعتقالات كبير جدًا ويصعب رصده لأنه يتم بشكل يومي”. وأشار المحامي عمرو إلى أن: “هناك إشكاليات حول المادة القانونية التي يتم بموجبها القبض على الفتيات، وخاصةً الفتيات من الطبقات الفقيرة، إذ إننا لا نعلم ما الذي فعلوه بالضبط. ولا يوجد تعريف واضح للقيم الأسرية التي يُقال أنهن خالفوها”، مؤكدًا أن: “المعنى مطاط ويختلف من مكان لآخر”. 

ما هي قيم الأسرة المصرية إذًا؟ لا أحد يعلم، حتى أن لا تعريف لها في القانون نفسه الذي يُستخدم لاعتقال النساء. 

مجرد غطاء للقمع والسيطرة على أجساد النساء، لإضفاء صفة الجرم عليها إذ ما تمايلت أو أظهرت منها ما أرادت إظهاره، طبعًا مع الأخذ بالاعتبار طبقتهن الاجتماعية. فلا أحد من السلطة المصرية يعتقل أو يوجه أي انتقاد للفنانات المصريات في المهرجانات داخل مصر حيث يرتدين ما يردنه هن وبناتهن وينشرن صورهن على منصات التواصل الاجتماعي وهذا حقهن كما هو حق للنساء ذوات الطبقات الأكثر فقرًا واللواتي لا يملكن في ظهورهنّ رصيدًا اجتماعيًا أو حمايةً أمنية!

ما هي قيم الأسرة المصرية إذًا؟
لا أحد يعلم، حتى أن لا تعريف لها في القانون نفسه

بدأت القصة في 27 تمّوز 2020، يوم حكمت المحكمة الاقتصادية بالقاهرة بمعاقبة مودّة الأدهم وحنين حسام وهما صانعات محتوى على منصة تيكتوك، وثلاثة أشخاص آخرين، بالحبس لمدة سنتين، وتغريم كلّ منهم 300 ألف جنيه (حوالي 19 ألف دولار)، بتهمة التعدي على “قيم ومبادئ الأسرة المصرية”. ثمّ “قبضت” وزارة الداخلية في نيسان 2020 على مستخدمة تيك توك حنين حسام، واتهمت الصفحة الرسمية للنيابة العامة المصرية حنين حسام بالمشاركة في عصابة دولية للاتجار بالبشر. في يوم 21 حزيران 2021 أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمًا بالسجن عشر سنوات غيابيًا ضد حنين حسام، وست سنوات حضوريًا ضد مودة الأدهم. 

فعليًا، قامت الفتاتان بنشر فيديوهات على منصة تيكتوك، حيث كانتا تغنيان وترقصان، بينما تلخصت “الأدلة” -التي يفترض بها إثبات استغلال القاصرين أو البالغين- في الفيديوهات المنشورة والتي تُظهر الفتاتان ترقصان مع طفل أو طفلة بشكل لا يحتوي على أي إشارات جنسية من أي نوع.

مهّد هذا الحكم لحملة طويلة من الاعتقالات والملاحقات لصانعات المحتوى في مصر، بتهمٍ مثل نشر “الفسق والفجور” و”الاعتداء على قيم الأسرة المصرية”. إذ تقدّم أكثر من 30 محامياً ببلاغات ضد صانعات المحتوى في مصر بدعوى مخالفة محتواهم للقيم الدينية أو المجتمعية. ليُعتقل تحت هذه الاتهامات أكثر من 151 شخصًا في أكثر من 109 قضية مختلفة على الأقل.

في 12 كانون الثاني 2021، كانت محكمة الجنح الاقتصادية المستأنفة قد حكمت ببراءة حنين حسام وإلغاء عقوبة الحبس على مودة الأدهم بشأن نفس الأفعال. وانتهى حكم المحكمة إلى عدم وجود أي دليل على استدراج أي نساء للعمل بأي نشاط جنسي من أي نوع. 

 يجري تسجيل أكثر من 300 جريمة قتل نساء سنوياً في مصر،
وأكثر من 1195 جريمة عنف في عام 2024 وحده

وفي أبرز تجلٍّ للسلطة الموكلة للرجل بالتحكم بأجساد النساء في مجتمعاتنا واقتناعه بذلك، يؤكد المحامي أحمد مهران وهو أحد مقدمي البلاغات ضد المؤثرات في حديث صحفي: “شعرت أنه واجب علَيَّ التدخل لحماية مجتمعي وبلدي وشباب بلدي في التصدي لهذه النوعية من الجرائم”، مضيفًا: “هناك ألفاظ وأفعال لا خلاف عليها مثل العري، والنساء اللاتي يصورن عادتهن اليومية في الملابس بطريقة تظهر تفاصيل أجسادهن […] كل هذا مرفوض داخل المجتمع المصري”.

بالمقابل، يجري تسجيل أكثر من 300 جريمة قتل نساء سنوياً في مصر، وأكثر من 1195 جريمة عنف في عام 2024 وحده، بينها 363 جريمة قتل، ارتكب 261 منها الأزواج أو أحد أفراد الأسرة. 

العنف المضاعف ضد العابرات في حملة الاعتقالات 

مع كل حملات التشهير والتحريض ضد صانعات المحتوى على منصة تيكتوك في مصر، يأتي العنف والتنمر مضاعفًا على العابرات، إذ إنه ومن بين الموقوفات، تواجه صانعة المحتوى “ياسمين” تهماً إضافية، إذ قيل إنها “شاب متحول جنسيًا“، وقيل إنها “رجل أجاد تمثيل دور الفتاة”، وتصدّر اسمها المنصات الإعلامية مع التشهير بمكان إقامتها إلى حدّ تصوير مقابلات مع جيرانها واستجوابهم من قِبَل بعض الإعلاميين/ات!

ومع اتساع دائرة الملاحقة لتشمل العابرات جندريًّا، اتُهمت ياسمين كغيرها من المؤثرات بـ”خدش الحياء”، و”إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”، و”التحريض على الفسق والفجور” ولكن مع وصمةٍ وخطرٍ يُواجهها حتى بعد الخروج من السجن بكفالة 5000 جنيه على ذمة التحقيقات. كما تحدثت بعض وسائل الإعلام عن “الميول الأنثوية” لياسمين، علمًا أن السلطات أودعتها سجناً للرجال لأنها مسجلة رسميًا أنها ذكر.

هكذا، تتجلّى “قيم الأسرة المصرية”_غير المُعَرَّفة_ كأداةٍ سلطوية وأبويّة ذكوريّة لمُحاكمة النساء وقمع أجسادهن.

وسط تجاهلٍ تامّ، لكل جرائم العنف ضد النساء، والتحرّش والقتل بدافع “الشرف” والاغتصاب الزوجي، وغيرها من الأمور التي لا تتسع في مقالٍ واحد.

الاشتراك
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
الأقدم
الأحدث الأكثر تصويت
Inline Feedbacks
عرض جميع التعليقات

مقالات ذات صلة:

اشترك/ي في نشرتنا الشهرية

تابعونا ليصلكم/ن كل جديد!

انضموا إلى قناتنا على الواتساب لنشارككم أبرز المقالات والتحقيقات بالإضافة الى فرص تدريبية معمقة في عالم الصحافة والإعلام.

هل تريد تجربة أفضل؟

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربة التصفح وتحليل حركة المرور وتقديم محتوى مخصص. يمكنك إدارة تفضيلاتك في أي وقت.

ملفات تعريف الارتباط الضرورية

ضرورية لعمل الموقع بشكل صحيح. لا يمكن تعطيلها.

ملفات تعريف الارتباط للتتبع

تُستخدم لمساعدتنا في تحسين تجربتك من خلال التحليلات والمحتوى المخصص.

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x