مهمتنا تبدأ وتمضي بكم/ ن

اللبنانيون يواجهون خطر الاختناق القاتل… عن القصف الإسرائيلي والهواء الملوث الذي نستنشقه

اشترك في

النشرة البريدية الأسبوعية: 

تم الاشتراك في النشرة بنجاح تم حدوث خطأ غير متوقع

تبعنا علي

وسائل التواصل الاجتماعي

تم حفظ المقال في المفضلة
تم نسخ الرابط بنجاح!
الجمعة 1 نوفمبر 202411:34 م

لم تكن تتوقع مروى، وهي من جبل لبنان بعقدها الثالث، أن تتحول واجهة بيتها الزجاجية إلى شاشة كبيرة تُعرض فيها مشاهد القصف والغارات الإسرائيلية الممتدة إلى العاصمة اللبنانية، خاصة أنها تسكن في الجبل قبالة بيروت على ارتفاع 500 متر. أطفالها اعتادوا رؤية القصف المتواصل، وكأنه جزء من حياتهم اليومية، لكن الأخطر تمثل في سحب الدخان الناجم عن الغارات التي كانت تتسلل عبر نوافذ بيتهم الزجاجية، لتصبح حياتهم محصورة بين الخوف من القصف وأخطار الدخان!
تقول مروى لمنصة صلة وصل:”كل ليلة بعد هدوء القصف بساعات، يتصاعد الدخان، يحمل رائحة مواد كيميائية، لم نعد نستطيع تحمل الرائحة، التي تسبب لنا ضيقًا بالتنفس، الأمر بات صعباً إلى درجة أننا لم نعد نستطيع فتح النوافذ”.
تضيف: “حتى الغسيل لا أستطيع نشره على شرفة المنزل، أخشى أن تعلق بقايا الدخان بالثياب، لأننا لا نعرف ما نوعه حتى الآن، وما إذا كان يحتوي على مواد كيميائية أم لا”.

يروي “صلاح”، 40 سنة، نازح من جنوب لبنان، لمنصة “صلة وصل” عن معاناته اليومية من استنشاق الغازات الخانقة، يقول:”نرى دخانًا كثيفًا أسود يتطاير في الهواء، ويدخل إلى كل مكان، ولا يوجد مهرب من أن نتنفسه. حالات السعال لا تتوقف، وكأننا نعيش في قلب حريق لا ينطفئ. نحن نكافح لنظل أحياء، ليس فقط، بسبب الدمار الذي يحيط بنا، ولكن أيضًا، بسبب الهواء الملوث الذي أصبح جزءًا من حياتنا اليومية. نعيش هنا بين جدران من اليأس والاختناق، وكأن هذا الدخان الأسود لن يختفي قريبًا”.

نقابة الكيميائيين ووزارة الصحة… تضارب معلومات

في ظل الضربات الجوية التي توجهها إسرائيل إلى لبنان، أكدت نقابة الكيميائيين اللبنانية في بيان تحذيري لها صدر في 10 تشرين الأول 2024 أن “حجم الدمار واختراق المباني والأرض لعشرات الأمتار يؤكد أن إسرائيل استخدمت قذائف تحتوي على اليورانيوم المنضّب المُحرم دوليًا الذي يتمتع بقوة اختراق هائلة”.

وحذرت من أخطار الإصابة بأمراض خطيرة، نتيجة استنشاق الغبار الناتج عن هذا القصف. وحذرت المواطنين من الاقتراب من المناطق التي تتعرض لهذا العدوان بقطر يتجاوز الكيلو مترين. كما أوصت أولئك الذين يضطرون إلى الاقتراب من هذه المناطق بضرورة الالتزام بارتداء ملابس واقية من الغبار، بالإضافة إلى استخدام الكمامات المخصصة للمواد الكيميائية.

في المقابل، نفت وزارة الصحة اللبنانية في بيانٍ لها “عدم وجود أدلة حتى الآن على استخدام اليورانيوم في الضربات الإسرائيلية”. 

نقابة الكيميائيين اللبنانية في بيان تحذيري لها صدر في 10 تشرين الأول 2024

هيومن رايتس: إسرائيل قصفت 17 بلدة لبنانية بالفسفور الأبيض

رغم التضارب بين نقابة الكيميائيين ووزارة الصحة اللبنانية حول إثبات أو نفي وجود أي أدلة على استخدام إسرائيل اليورانيوم خلال الضربات على لبنان، إلا أن منظمة هيومن رايتس ووتش أكدت في تقرير لها أن “القوات الإسرائيلية استخدمت ذخائر الفسفور في 17 بلدة على الأقل في جنوب لبنان منذ أكتوبر 2023، خمس منها استخدمت فيها الذخائر المتفجرة جوًا على نحو غير قانوني فوق مناطق سكنية مأهولة”.

منظمة هيومن رايتس ووتش أكدت في تقرير لها أن “القوات الإسرائيلية استخدمت ذخائر الفسفور في 17 بلدة على الأقل في جنوب لبنان منذ أكتوبر 2023، خمس منها استخدمت فيها الذخائر المتفجرة جوًا على نحو غير قانوني فوق مناطق سكنية مأهولة

وتحققت المنظمة من 47 صورة وفيديو من جنوب لبنان تشير إلى استخدام ذخائر الفسفور الأبيض، وحددت موقعها الجغرافي في قرى كفركلا، ميس الجبل، البستان، مركبا، وعيتا الشعب الحدودية في جنوب لبنان.
هذا ويحتوي الفسفور الأبيض على مركبات كيميائية سامة يمكن أن تدخل جسم الإنسان عن طريق التنفس أو الاستنشاق، وتتسبب في تلف الجهاز التنفسي وفشل أعضاء الجسم، بالإضافة إلى أنه يُسبب حروقا شديدة، غالبا ما تصل إلى العظام، وحروق الفسفور الأبيض التي تتجاوز 10% من جسم الإنسان غالبا ما تكون قاتلة.

العدو الإسرائيلي استخدم جميع الأسلحة المُحرمة دوليًا في لبنان

للوقوف على نوعية الأسلحة والقذائف المُستخدمة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي التي تسببت في انتشار حالات اختناق عدة إثر القصف والغارات، يؤكد الدكتور علي حمية، الكاتب والباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية، خلال حديثه مع صلة وصل أن العدو الإسرائيلي يستخدم جميع الأسلحة المُحرمة دوليًا وأسلحة الدمار الشامل، بدءًا من حربه على غزة، وصولاً إلى حربه على لبنان، حيث تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت، وكذلك الجنوب والبقاع، بعشرات الأطنان من المواد المحرمة دوليًا.

يشير حمية:”العدو الإسرائيلي يستخدم القذائف العنقودية والقذائف الفسفورية، كما يُرجح أنه يستخدم اليورانيوم المُنضب في قذائف من طراز “جي بي يو” GBU و”مواب” MOAB، وهو اختصار لـ Massive Ordnance Air Blast، أي القذيفة ذات الذخيرة الضخمة التي تنفجرفي الهواء”. يوضح حمية أن معظم صواريخ “هيل فاير” Hellfire التي تُطلقها طائرات الأباتشي أو الطائرات المُسيرة، تحتوي على نسب متفاوتة من اليورانيوم المُنضب تتراوح بين الضئيلة والعالية وفقًا لنوع الصاروخ، مشيراً إلى أن اليورانيوم المُنضب لا يُصدر إشعاعات إلا بنسبة ضئيلة للغاية. ويضيف الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية أن “العدو الإسرائيلي يستخدم القذائف الضخمة من طراز Mk-84 التي تحتوي على مركبات كيميائية مثل “بي” و”إي” والثيرموبارك الحرارية، كما تتضمن بودرة الألومنيوم شديدة الاشتعال، منوها إلى أن القذائف Mk-84 أصبحت ذكية بفضل جهاز التوجيه الداخلي (Guided Bomb Unit) GBU، مما جعلها قادرة على تنفيذ مهام متعددة”.

حمية:”العدو الإسرائيلي يستخدم القذائف العنقودية والقذائف الفسفورية، كما يُرجح أنه يستخدم اليورانيوم المُنضب في قذائف من طراز “جي بي يو” أي القذيفة ذات الذخيرة الضخمة التي تنفجر في الهواء”.

يتابع: “وفقا لعلمنا، يستخدم العدو الإسرائيلي القذائف التي تحتوي على الفسفور الأبيض، وهو مادة حارقة كريهة الرائحة تُسبب الاختناق، تمامًا مثل الثيرموبارك. كما يستخدم قذائف من نوع delay fuse التي تحتوي على صواعق تتفجر على نحو متأخر، وليس على نحو متزامن مع إلقاء القذيفة، مما يُزيد من فاعليتها التدميرية داخل الهدف، ويجعلها أكثر خطورة ليُوهم الناس بأن هناك مخزن أسلحة”. ويفيد أن العدو الإسرائيلي يستخدم ذخائر هجومية مركبة JDAM Joint Direct attack munition (الذخائر المشتركة للهجوم المباشر)، وعند إطلاق عدة قذائف مثل GBU-37، GBU-28، Mk-84 وMOAB معاً، تُحدث هذه القذائف دمارًا شاملاً، وتُسبب أكبر قدر من الخسائر سواء من ناحية التفجير أو الغازات السامة والخانقة.

تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان تمتد لعدة أجيال مقبلة

من جانبه، صرح العميد أكرم كمال سريوي، الخبير في الشؤون العسكرية والقانون الدولي، لـ”صلة وصل” بأن تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان تُشكل خطرًا على صحة الإنسان والبيئة لعدة أجيال قادمة، حيث تبقى نفايات الحرب لسنوات طويلة بعد انتهاء المعارك، خاصة القذائف العنقودية المُحرمة دولياً التي تستخدمها إسرائيل على نحو كثيف، إلى جانب الألغام وقذائف الثرموبارك الفتاكة، وهي تُصنف مواد سامة تضر بالبيئة والإنسان، ويصعُب التخلص منها، خاصة وأن البنية التحتية ومنظومات إدارة النفايات عموماً يتم تدميرها خلال الحرب، مما يؤدي إلى تراكم الملوثات لفترات طويلة، وغالبيتها تتسرب إلى مياه الينابيع والأنهار والمياه الجوفية.
يقول سريوي: “العدوان الإسرائيلي يُزهق آلاف الأرواح من المدنيين، ويُسبب دمارًا واسعا للقرى والمدن والبنية التحتية، ويُحدث تلوثا كبيرا للمياه والتربة والهواء بالمواد السامة، حيث تنتشر مركبات ناتجه عن المتفجرات، مثل ثلاثي نترو التولوين TNT، وبقايا RDX التي تعرف بـ” هيكسوجين”، والفوسفور الأبيض، والمواد الكيميائية والمُشعة الأخرى المستخدمة في القذائف شديدة الانفجار”.

سريوي:”العدوان الإسرائيلي يُحدث تلوثا كبيرا للمياه والتربة والهواء بالمواد السامة، حيث تنتشر مركبات ناتجه عن المتفجرات، مثل ثلاثي نترو التولوين ، وبقايا التي تعرف بـ” هيكسوجين”، والفوسفور الأبيض، والمواد الكيميائية والمُشعة الأخرى المستخدمة في القذائف شديدة الانفجار”

ويتابع: “الأثر الأولي المباشر والخطير هو انتقال أبخرة المواد المتفجرة عبر الهواء، حيث يؤدي استنشاقها إلى أضرار مؤكدة على صحة الإنسان، خاصة على الجهاز التنفسي، فضلا عن أنها تُضعف الجهاز المناعي، وتُسبب تسمم الدم. لذلك، يُنصح دائماً بالابتعاد عن موقع الانفجار حتى بعد حدوثه، وتجنب استنشاق هذه الغازات، فبعضها شديد الخطورة، وقد يسبب أمراضاً مزمنة أو حتى مميتة، ويفضل تغطية الأنف بقطعة قماش مبللة بالماء حتى الابتعاد عن مكان انتشار الغازات”.

العميد أكرم سريوي يؤكد استخدام إسرائيل لليورانيوم المُنضب

يقول الخبير في الشؤون العسكرية:”من المعروف أن قذائف المدفعية والدبابات وبعض القذائف الخارقة تحتوي على اليورانيوم المُنضب لزيادة صلابتها وقدرتها على الاختراق، وهو ما استخدمته إسرائيل في غزة ولبنان، فعندما تصطدم هذه القذائف بالأهداف بقوة، تتفتت مادة اليورانيوم، ويتحول اليورانيوم المُنضب إلى يورانيوم مشع جراء هذا الاصطدام، ويصدر عنه إشعاعات من أنواع ألفا وبيتا وجاما بنسبة ضئيلة، التي تنتقل بسرعة فائقة، ولا رائحة لها، ولا لون، مما يجعل اكتشافها صعباً من دون استخدام أجهزة كشف خاصة”.
وعن خطورة هذه الإشعاعات، يوضح أنه مع أن نسبتها ضئيلة إلا أنها ضارة جدا عند دخولها إلى جسم الإنسان سواء عن طريق الاستنشاق أو الامتصاص عبر الجلد نظرا إلى أنها تُعطل عمليات الأيض (الميتابوليزم)، وتُدمر الخلايا، وتتحول إلى خلايا سرطانية، ويحتاج الجسم إلى فترات طويلة للتعافي والتخلص من آثارها، مضيفا أنه حال عدم تجاوز نسبة الإشعاعات التي تدخل الجسم 400 راد في السنة، فيبقى أثرها محدودًا، ولا تُشكل خطرًا على الحياة، علما بأنه إذا تلقاها دفعة واحدة قد تسبب وفاة فورية.

يضيف العميد سريوي أن خطر المواد المتفجرة لا يقتصر على الأضرار المباشرة، فغالباً لا تنفجر الحشوة المتفجرة بالكامل في القذائف، حيث تبقى نسبة تصل إلى 5% منها غير منفجرة، وتتحول إلى مادة ملوثة للتربة، مما يعني أنها تتسرب في المياه، وقد تنتقل إلى النباتات، وتتحول المزروعات والثمار إلى وسيلة نقل لهذه المواد السامة إلى جسم الإنسان عند تناولها.

ويوضح أنه عند وجود إشعاعات في مكان ما، لا ينحصر خطرها فيه فقط، بل قد يمتد تأثيرها إلى أماكن مجاورة، وحتى إلى أماكن بعيدة مثلما حدث بعد انفجار مفاعل تشيرنوبل حيث ظهرت الإشعاعات في لحوم الأغنام في بعض الدول الأوروبية نتيجة تناول هذه الحيوانات لأعشاب ملوثة بالإشعاعات، التي انتقلت بسبب تساقط الأمطار النووية بعد أن دفعت الرياح السحب النووية إلى مناطق بعيدة جداً عن أوكرانيا. 

انبعاثات خطيرة نتيجة انفجار القذائف

من جانبها، أفادت النائبة الدكتورة نجاة عون صليبا، أستاذة الكيمياء في الجامعة الأمريكية في بيروت والمتخصصة في تلوث الهواء، لمنصة “صلة وصل”، أن انفجار القذائف ينتج منه انبعاثات خطيرة، مثل ثاني أكسيد النيتروجين، الذي يتشكل نتيجة التفاعل بين النيتروجين والأكسجين في الهواء، بسبب قوة الانفجار. وأوضحت أن هذا الغاز هو السبب الرئيسي في تصاعد الدخان الكثيف الذي يتسبب في حرقان وتهيج الأعين والسعال أيضًا، فضلًا عن حالات اختناق، خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون أزمات صدرية أو ضيق في التنفس.

وأوضحت صليبا أن الدخان المتصاعد يحتوي أيضًا على جسيمات دقيقة جدًا، غير مرئية للعين المجردة، تُعرف باسم “PM2. 5“، وهي شديدة السمية، وعند استنشاقها، تتغلغل بعمق في الجهاز التنفسي، مما يتسبب في مشكلات صحية خطيرة، تشمل التهابات الجهاز التنفسي وأمراض الرئة وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب. “قد تنتهي الحرب لكن آثارها المؤذية ستمتد لسنوات، وغالباً تصعب معالجتها لأكثر من سبب، أولها عدم الوعي والمعرفة بهذه الأخطار، وثانيها غياب الاهتمام الكافي بالتخلص من الآثار السامة للمواد المتفجرة والتلوث الذي تُحدثه للبيئة” يقول العميد سريوي لـ”صلة وصل”.

صليبا:” أن الدخان المتصاعد يحتوي أيضًا على جسيمات دقيقة جدًا، غير مرئية للعين المجردة، تُعرف باسم “PM2. 5“، وهي شديدة السمية، وعند استنشاقها، تتغلغل بعمق “في الجهاز التنفسي، مما يتسبب في مشكلات صحية خطيرة

وتتابع:”الذخائر التي تُسقط على المدينة تكون مُشبعة بالمعادن الثقيلة، مما يمنحها قدرة على اختراق عدة طوابق. هذه المعادن الصغيرة، مثل الرصاص واليورانيوم، وغيرها من المواد السامة، تُشكل خطرًا كبيرًا عندما تنتقل عبر الهواء مع الجسيمات الدقيقة. ومع أن هناك احتمالًا لاستخدام الاحتلال لعناصر كيميائية أكثر فتكًا، فإن المجلس الوطني للبحوث العلمية وهيئة الطاقة الذرية والجيش اللبناني لم يؤكدوا بعد استخدام اليورانيوم المُنضب في القذائف. ما زلنا بانتظار تقرير رسمي من الجهات المختصة لتأكيد ذلك”.

تؤكد صليبا أن اليورانيوم المُنضب لا يمتلك القدرة النووية مثل اليورانيوم المُخصب، وأن الإشعاعات التي يطلقها لا تخترق الجسم، لكنها قد تُستنشق، مما يستدعي اتخاذ احتياطات مثل ارتداء الكمامات. وتحذر صليبا من القذائف الفسفورية التي تذيب الجلد، مشددة على ضرورة ارتداء ملابس تُغطي الجسم بالكامل وأحذية مغلقة، خاصة للصحفيين الموجودين في مناطق القصف. وتنصح أيضًا بارتداء نظارات شمسية أو نظارات بلاستيكية واقية لحماية العيون.
في حال تراكم الغبار على السيارات أو الشرفات أو بأي مكان آخر، تشدد على عدم إزالته بالنفخ أو الكنس، بل باستخدام المياه. وأخيرا تنصح صليبا، أنه في حال وجود أشخاص لتفقد منازلهم أو الصحفيين في المناطق التي تعرضت لقذائف فسفورية، بتجنب دخول المنازل بالملابس الملوثة، وخلعها عند الباب ثم نقعها في الماء البارد والصابون للوقاية من أي أخطار صحية.

وعليه، إذا كان هذا هو حجم التلوث الناجم عن القصف والغارات واستخدام القذائف والمتفجرات التي تحتوي على مواد كيميائية وأخرى مُشعة، فكيف يمكن تصور الوضع في ظل الحقائق والبيانات التي تؤكد أن لبنان يعاني بالفعل مشكلة تلوث هواء متفاقمة؟ لقد تسببت الحرب في تفاقم الوضع على نحو كارثي، وأصبحت أزمة تلوث الهواء التي كانت موجودة بالأساس أكثر خطورة وتعقيدًا، وأُهدرت معها كل الجهود التي كانت تُبذل لمحاولة تقليل حدة الأزمة، وضاعت كل الأماني التي كانت تُعقد لحل المشكلة… فمن نجا من القصف، يواجه خطر الاختناق والإصابة بأمراض الصدر والقلب! 

قبل العدوان… ارتفاع معدلات تلوث الهواء على نحو لم يسبقه مثيل

لقد كان تنفس الهواء النظيف أمرًا شبه مستحيل في لبنان قبل العدوان نتيجة التلوث الناجم عن الاستخدام الواسع الانتشار للمولدات خلال فترات انقطاع الكهرباء التي كانت تتجاوز 20 ساعة يوميًا، وانبعاثات السيارات والأنشطة الصناعية، وعلى رأسها صناعة الأسمنت، بالإضافة إلى الحرق المكشوف للنفايات وإطارات السيارات، واستخدام المبيدات الكيميائية، وغيرها من مصادر التلوث.
وقد حذر سابقًا باحثون من الجامعة الأمريكية في بيروت من ارتفاع مستويات الانبعاثات السامة (انبعاثات أكسيد الكربون، ثاني أكسيد النيتروجين والكبريت، وجزيئيات الديزل) في لبنان بنسبة 300% عن مستويات ما قبل أزمة الكهرباء.


وبحسب أحدث البيانات المنشورة على موقع Our World in Data، كان معدل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO2) للفرد في لبنان نحو 1.7 طن في عام 1970، وارتفع في عام 2022، ليصل هذا المعدل إلى نحو 4.4 طن للفرد، كما هو موضح بالشكل التالي:

المصدر: Our World in Data

ووفقا لتقرير صادر عن الجامعة الأمريكية في مايو 2024، فإن لبنان يسجل أعلى معدل للوفيات المرتبطة بتلوث الهواء في منطقة شرق المتوسط، حيث تحتل بيروت مرتبة بين أكثر المدن تلوثًا في العالم، وذلك حسبما أفادت منظمة الصحة العالمية (WHO).
وذكر التقرير أن متوسط تركيز الجسيمات الدقيقة (PM2.5) السنوي في لبنان بلغ 24.2 ميكروغرام/متر مكعب، وهو أعلى بنسبة 142% من الإرشادات التي توصي بها منظمة الصحة العالمية، فضلا عن أن تلوث الهواء يُكلف لبنان نحو 3% من ناتجه المحلي الإجمالي استنادا لبيانات البنك الدولي، وهو ما يعده الخبراء الاقتصاديون وصل دفع كبيرة تُشكل عبئًا إضافيًا على لبنان، الذي يعاني أزمة اقتصادية خانقة.

كما أشارت الإستراتيجية الوطنية لإدارة جودة الهواء في لبنان 2015-2030، إلى أن قطاع النقل على الطرق يتسبب في نحو 93% من انبعاثات أول أكسيد الكربون (CO)، و67% من المركبات العضوية المتطايرة غير الميثانية (NMVOC)، و52% من أكاسيد النيتروجين (NOx). في المقابل، تُعزى نحو 73% من انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت (SO2)، و62% من انبعاثات الجسيمات الدقيقة (PM10)، و59% من الجسيمات الدقيقة (PM2.5) إلى محطات الطاقة والمصادر الصناعية.

لا تكتفي الحروب بإزهاق الأرواح وإحداث الدمار، بل تُحدث تداعيات بيئية كارثية طويلة الأمد يصعب التعايش معها بسلام. وسيخلف هذا العدوان الغاشم إرثًا ثقيلًا من الهواء الملوث يجعل استنشاق اللبنانيين لهواء نظيف حلمًا بعيد المنال في ظل تقاعس المنظمات الدولية المعنية عن إيقاف هذه الكارثة الإنسانية والبيئية.

Subscribe
Notify of
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة:

اشترك في نشرتنا الشهرية

تابعونا ليصلكم/ن كل جديد!

انضموا إلى قناتنا على الواتساب لنشارككم أبرز المقالات والتحقيقات بالإضافة الى فرص تدريبية معمقة في عالم الصحافة والإعلام.

هل تريد تجربة أفضل؟

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربة التصفح وتحليل حركة المرور وتقديم محتوى مخصص. يمكنك إدارة تفضيلاتك في أي وقت.

ملفات تعريف الارتباط الضرورية

ضرورية لعمل الموقع بشكل صحيح. لا يمكن تعطيلها.

ملفات تعريف الارتباط للتتبع

تُستخدم لمساعدتنا في تحسين تجربتك من خلال التحليلات والمحتوى المخصص.

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x