مهمتنا تبدأ وتمضي بكم/ ن

قامشلو: انتهاكات حقوق النازحات وتهديد مغلف بموت سريري

اشترك في

النشرة البريدية الأسبوعية: 

تم الاشتراك في النشرة بنجاح تم حدوث خطأ غير متوقع

تبعنا علي

وسائل التواصل الاجتماعي

تم حفظ المقال في المفضلة
تم نسخ الرابط بنجاح!
الجمعة 10 يناير 20255:52 م

واقع يفرض نفسه على آلاف النازحات إلى مناطق الجزيرة السورية من مناطق الشهباء، بسبب الهجمات التي شنها الجيش الوطني السوري وجيش الاحتلال التركي جوًا وبرًا في الأول من كانون الأول 2024 على مناطق الشهباء التي تتبع لمدينة حلب.

في ظل غياب خدمات الرعاية المرتبطة بالصحة الإنجابية والجنسية الضرورية، والتي تستدعي التواجد كإحدى الحالات الطارئة وبمعايير مسؤولة عن الخطر المحدق بهن، سيما أن هذا النزوح يعتبر الثاني في مسيرة حياتهن بعد النزوح الأول من مدينتهن عفرين، الأمر الذي يفاقم معاناتهن اليومية، مما يخلق لديهن شعورًا بالعجز أمام قساوة المشهد الذي يتعايشنه إكراهًا وبمنأىً عن مسارات الدعم والحلول.

مأزق حقيقي

تقول بيريفان بكر، إحدى النازحات من مناطق الشهباء: “إن معاناة النساء النازحات في مراكز النزوح بمدينة قامشلو الواقعة شمال شرق سوريا تزداد في ظل غياب المقومات الأساسية التي تساعدنا على العيش حياة صحية وسليمة، لا سيما من الناحية الإنجابية والجنسية.

تغيب الرعاية من ناحية سبل العيش الأساسية كالمسكن والمياه والطعام الصحي، الذي ينعكس بشكل مباشر وسلبي على نظافتنا الشخصية التي تقينا من الإصابة بأي مرض، ضيفوا إلى ذلك محدودية الوصول إلى المراكز الطبية لتقديم الرعاية الطبية لنا في حال إصابتنا بأمراض نسائية، خاصة تلك التي تحتاج إلى العلاج لفترات طويلة”.

تتابع بكر حديثها عن سوء الخدمات: “في حال اللجوء إلى المراكز الطبية لتنظيم حياتنا الإنجابية طبقًا لظروفنا المعيشية المهولة، التي تفتقر إلى أدنى معايير السلامة الجسدية والجنسية والنفسية، لا نتلقى أي دعم طبي ولا يتم أخذ ظروفنا السيئة بعين الاعتبار، حيث لا نمتلك حق رغيف خبز لأولادنا”.

لا حياة جنسية، إنجابية ونفسية

توضح بكر لصلة وصل أن “واقعنا مرير، لا سيما وهذا يعتبر ثاني نزوح لنا. أعيش أنا وزوجي وأطفالي الأربعة في مدينة قامشلو حاليًا ضمن غرفة واحدة فقط داخل تجمع للنازحين، ولا نستطيع ممارسة حياتنا الجنسية بالطريقة الطبيعية، الأمر الذي يؤثر سلبًا وبصورة مباشرة على علاقتنا الزوجية، وهذا بدوره يفككها ويجعلها في مهب الريح، لافتقارها مقومات تساعدها على المضي كما ينبغي لأية حياة زوجية لتدوم في حالة من الاستقرار وبحرية تامة، لكن وللأسف كل شيء تغير للأسوأ”.

وتوافقها الرأي، وفي السياق ذاته، النازحة صباح مشيرة إلى “القصور في المساعدات المجتمعية، كما أن السلطة الحاكمة والجمعيات والمنظمات الإنسانية في المنطقة بمنأى عن معاناتنا، والتي تتطلب خدمات صحية طارئة (جنسية وإنجابية)، ويشكل هذا الموضوع بالنسبة لنا من الأمور التي يصعب النقاش فيها ولو جزئيًا، ولا يتم إيلاؤها أي اهتمام.

مثلًا أنا كنت حاملًا وتلزمني متابعة دورية أثناء فترة الحمل لإجراء فحوصات عامة من تحاليل الدم والبول وبعض الأمراض الجنسية وأمراض الجهاز التناسلي خاصة، لكنني لم أكن أحصل على أية خدمات، لذلك اضطررت للسفر إلى مدينة حلب بغية الولادة، حيث مكان إقامة أهلي، لمساعدتي في توفير مستلزمات العملية”.

نحن النازحات نعاني من انعدام وسائل الإجهاض الطبية الصحية في حال الحمل غير المرغوب، وهذا ما يخلق لدينا قلقًا كبيرًا نتيجة الوضع الاقتصادي السيئ، إضافة إلى الشعور بالخجل بسبب ما نتعرض له من وصمة عار من قبل المحيط،

وتضيف نازك، نازحة من الشهباء ذات الـ24 عامًا: “نحن النازحات نعاني من انعدام وسائل الإجهاض الطبية الصحية في حال الحمل غير المرغوب، وهذا ما يخلق لدينا قلقًا كبيرًا نتيجة الوضع الاقتصادي السيئ، إضافة إلى الشعور بالخجل بسبب ما نتعرض له من وصمة عار من قبل المحيط، بل ويشعروننا وكأن حملنا بات من المحرمات مع إهانات مستمرة، وهذا يشكل تهديدًا جسيمًا على حالتنا النفسية، والتي لا تقل سوءًا عن الجوانب الأخرى”.

أزمات صحية دون علاج

“تتفاقم صور الظلم الواقعة علينا نحن النازحات إنجابيًا وجنسيًا، والذي يؤدي بدوره إلى خلق أزمات نفسية بسبب رحلة النزوح، وأيضًا معرفة ضيقة جدًا بهذه المفاهيم.

“أنا على سبيل المثال أواجه عقبات وصعوبات جمّة أثناء مرضي بالتهابات حادة في المهبل، مما يسبب لي مضاعفات تؤثر على أعضاء أخرى من جسدي، وإحداها كانت سببًا في تليف الرحم، الذي يتطلب غالبًا عملية في الفترة المقبلة، ناهيك بعدم توفر المرافق والمراكز الصحية التي تلبي احتياجاتنا ما أمكن من أدوية وكوادر طبية للمعاينة والعلاج حتى في الحالات العادية”، تقول النازحة شيرين (اسم مستعار) والتي تبلغ من العمر 23 عامًا.

تقول شيرين: “لطالما النزوح نال مما تبقى من أرواحنا وهتك قوانا، إلا أنه لا تزال تعترض طريقنا عقبات جمّة تحول دون الوصول لحلول تلبي الاحتياجات الجنسية والإنجابية من خلال استشارة الأطباء، وهذا ما حصل معي عند ظهور جفاف في المهبل لدي، ولم أكن أملك أي خيار للعلاج ماديًا وطبّيًا، كما أن إعاقتي الجسدية تعتبر عقبة تعترض وصولي للمراكز الطبية”.

عواقب خطيرة على جميع المستويات

من جهتها، تشير الدكتورة خبات محمد، اختصاصية بالتوليد وأمراض النساء وجراحتها، إلى أنه: “ستكون هناك عواقب خطيرة سواءً على مستوى الرعاية الصحية عامة، أو على مستوى الصحة النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية.

غياب الرعاية الصحية سيؤدي إلى ارتفاع معدلات الأمراض المنقولة جنسيًا كـ HIV، ب، والسفلس، والثآليل التناسلية، التي تتطور غالبًا لسرطان عنق الرحم إذا لم تتم معالجتها في المراحل الأولى، بسبب ضعف الوصول للخدمات ووسائل التشخيص والعلاج، إضافة إلى زيادة حالات الحمل غير المرغوب نتيجة غياب وسائل تنظيم الأسرة، وارتفاع معدلات الوفيات المرتبطة بالحمل والولادة بسبب غياب الرعاية المناسبة للأمهات، خاصة في حالات النزيف المرافق للولادة والتي تتطلب اهتمامًا خاصًا، ناهيك بالعواقب النفسية متمثلة بالقلق والاكتئاب، وكذلك عواقب اجتماعية كانعدام الأمان والحماية”.

يتضح أن الأزمة لم تعد تقتصر على نقص الخدمات، بل باتت تعبّر عن تهديد وجودي مغلّف بـ”موت سريري” يطال أجسادًا أنهكها النزوح المتكرر والتهميش الممنهج

“بالنسبة لمضاعفات الحمل، هناك ارتفاع خطر الإجهاض والولادة المبكرة، ومخاطر النزف أثناء وبعد الولادة، ونتيجة الإهمال يُحتمل الإصابة بتسمم الحمل أو سكري الحمل، وبسبب سوء التغذية عند الحوامل فإنه سيؤثر على الطفل مسببًا له مضاعفات، ومن الممكن أن تكون طويلة الأمد، ونقص الأدوية الذي يؤثر كثيرًا على صحتهن، مثل فقر الدم ومضاعفات نقص وزن الجنين”، حسب ما أدلت به الدكتورة خبات.

هل من يدعم؟

تضيف الدكتورة خبات عن إمكانية دعم النازحات وتقديم الحلول الممكنة: “يمكن تجنيب النازحات خطر غياب الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية عبر توفير خدمات الرعاية الصحية الأساسية، مثل إنشاء عيادات متنقلة ومراكز صحية ميدانية وتجهيز كادر طبي بأعلى المستويات، وتأمين الأدوية والمستلزمات الضرورية لا سيما للحوامل، فيما يتعلق بالمكونات الغذائية والفيتامينات (الحديد)، وتوفير خدمات الصحة الإنجابية مثل توزيع وسائل تنظيم الأسرة لتجنب الحمل غير المرغوب والإجهاض غير الآمن، كما أن التوعية الصحية النفسية تعتبر الجزء الأساسي لتجنيبهن مشاكل العنف والقلق والتوتر”.

بالنظر إلى واقع النازحات في قامشلو وما تواجهنه من انتهاكات متعددة تطال حقوقهن الصحية والإنجابية والنفسية، يتضح أن الأزمة لم تعد تقتصر على نقص الخدمات، بل باتت تعبّر عن تهديد وجودي مغلّف بـ”موت سريري” يطال أجسادًا أنهكها النزوح المتكرر والتهميش الممنهج. وفي ظل هذا المشهد القاسي، تبقى الحاجة ملحّة إلى استجابة إنسانية عاجلة وشاملة تُعيد للنساء الحد الأدنى من كرامتهن الصحية والاجتماعية، وتمنحهن الحق في حياة طبيعية وآمنة، بعيدًا عن الخوف، والعوز، والإقصاء.

Subscribe
Notify of
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة:

اشترك في نشرتنا الشهرية

تابعونا ليصلكم/ن كل جديد!

انضموا إلى قناتنا على الواتساب لنشارككم أبرز المقالات والتحقيقات بالإضافة الى فرص تدريبية معمقة في عالم الصحافة والإعلام.

هل تريد تجربة أفضل؟

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربة التصفح وتحليل حركة المرور وتقديم محتوى مخصص. يمكنك إدارة تفضيلاتك في أي وقت.

ملفات تعريف الارتباط الضرورية

ضرورية لعمل الموقع بشكل صحيح. لا يمكن تعطيلها.

ملفات تعريف الارتباط للتتبع

تُستخدم لمساعدتنا في تحسين تجربتك من خلال التحليلات والمحتوى المخصص.

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x