في عالم اليوم الذي يشهد تحديات بيئية متزايدة، برزت النساء في لبنان كقوة دافعة نحو التغيير والإصلاح البيئي. ورغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، فإن العديد من المبادرات النسائية قد نشأت في مختلف المناطق اللبنانية بهدف التصدي للأزمات البيئية وتقديم حلول مبتكرة ومستدامة. من خلال هذه المبادرات، تساهم النساء بشكل فاعل في تعزيز الوعي البيئي، وتطوير مشاريع تستهدف الحفاظ على الموارد الطبيعية والحد من التلوث، بالإضافة إلى تعزيز المشاركة المجتمعية في حماية البيئة.
يتناول هذا التقرير دور النساء في مواجهة الأزمات البيئية، حيث نسلط الضوء على بعض الشخصيات النسائية البارزة اللواتي تمكنّ من التأثير بشكل إيجابي في مجتمعاتهن، وابتكرن حلولاً تتماشى مع احتياجات البيئة المحلية. من خلال مقابلات مع مجموعة من النساء الرائدات في المجال البيئي، سنستعرض التحديات التي واجهنها، والمبادرات التي أطلقنها، والدروس التي يمكن استخلاصها من تجاربهن.
إن النساء اللاتي يقفن في الصفوف الأمامية للعمل البيئي، يعطين مثالاً على قوة الإرادة والتأثير، ويثبتن أنه لا يوجد مستحيل أمام العمل الجماعي والرؤية الواضحة.
ريما برقاشي: من قلب دير الأحمر، تُحيي التراث وتصنع التغيير
بين بيوت الحجر في بلدة دير الأحمر، تعيش ريما برقاشي، امرأة تجمع بين دفء وجرأة الريادة، خسرت زوجها مبكرا فحملت مسؤولية العائلة وانطلقت الى حمل مسؤولية مجتمع: “أنا أم لأربعة أبناء، وناشطة بيئيًا وسياسيًا وسياحيًا في المنطقة. بدأت اهتماماتي بهذا المجال من حوالي 25 سنة”، تقول ريما التي اختارت أن تبني مسيرتها على مفترق الحلم والعمل والعزيمة.
في بيت الضيافة الذي تملكه، لم تكن الضيافة مجرّد خدمة عابرة، بل بوابة لمشروع أوسع أطلقت عليه اسم “Les Provisions de Rima”، بيت المونة الريفية. هنا، تصنع ريما بيديها ما تأكله في بيتها وتقدّمه لزوارها، وتقول بثقة: “ما آكله في بيتي وأطعمه لأولادي، هو ما أقدّمه لضيوفي. وهذا المبدأ أساسي عندي”.
من المونة إلى العالم: حلمٌ خرج من المطبخ
بفضل هذا الشغف، تحوّلت ريما إلى سفيرة للمونة اللبنانية، فمثّلت لبنان في مؤتمر عربي خارج البلاد، وشاركت في معارض دولية في أنطاليا والدوحة بمشاركة أكثر من 70 دولة. “كنت واحدة من بين 25 مشاركًا تم تكريمهم”، تقول بفخر، وهي تسرد كيف حملت طعم الأرض اللبنانية إلى طاولات العالم.
لكن البداية لم تكن سهلة. “واجهت صعوبات كبيرة، لم تكن لدي إمكانيات لشراء معدات التصنيع الغذائي. قدمت مقترحات لممولين، وتمكنت من الحصول عليه” تروي مستذكرة البدايات. لم تحتفظ بهذا النجاح لنفسها، بل جعلت منه مساحة مشاركة وتمكين: ““اليوم هناك سيدات يعملن معي، ودربت أخريات ما يمنحهن الفرصة لإطلاق مشاريعهن الخاصة”.
الضيافة كمدخل لتحقيق الاستدامة
لم تكتفِ ريما بدورها كمنتجة للمونة ومدرّبة تصنيع غذائي. فقد ربطت مشروعها بمنظومة سياحية بيئية متكاملة، تستقبل فيها الضيوف من لبنان والخارج، وتعدّ لهم برنامجًا لزيارة الأماكن السياحية والدينية في دير الأحمر، ومن ضمنها برنامج ثابت وضعته لضيوفها يتضمن رحلات الى دروب المشي في البلدة – ساهمت في تأسيسها مع جمعيات وناشطين – لتكون دليلا سياحيا لهذه الرحلات، تروي لهم حكاياها وتنقل لهم حب هذه الأرض.
وعند العودة الى بيت الضيافة، تنظم لضيوفها ورشات عمل غذائية. “أضع لهم برنامجاً لإقامتهم وأنظم لهم النشاطات منها أن نصنع سويّاً طبخات تراثية، أو أعلّمهم صناعة أصناف المونة المختلفة، النشاط يتحول الى بيئي وتراثي في الوقت نفسه” تشرح ريما.
وفي هذا السياق تشير الى مساهمتها من خلال التصنيع الغذائي في الترويج لثقافة الزراعة أمام المنازل: “أصبحنا نشتري منتوجات زراعية عضوية لاستهلاكها في صناعة المونة وبذلك شجعنا على الزراعة العضوية أمام المنازل أو في الأراضي الزراعية الصغيرة كل حسب قدرته”.
دير الأحمر نحو صفر نفايات
ضمن جهود ريما والمجتمع المحلي، بدأ العمل على معمل فرز النفايات في دير الأحمر منذ عشر سنوات، لكنه واجه تحديات كبرى، خاصة خلال جائحة كورونا. ومنذ عام تقريبًا، انطلق العمل الجدي في المعمل، الذي يُعتبر اليوم المعمل الوحيد في لبنان الذي يعتمد على الفرز من المصدر.
بدأت الجهود بحملات توعية حول أهمية فرز النفايات من المصدر، تقول ريما التي شاركت في هذه الحملات: “جلنا على المنازل، بيت بيت، عززنا الوعي حول أهمية الفرز من المصدر ولاقينا ترحيبا كبيرا من الأهالي وتعاونا لافتاً، بعدها قمنا بتوزيع أربع حاويات صغيرة على كل منزل خاصة بكل نوع”.
بدأ العمل على معمل فرز النفايات في دير الأحمر منذ عشر سنوات، لكنه واجه تحديات كبرى، خاصة خلال جائحة كورونا. ومنذ عام تقريبًا، انطلق العمل الجدي في المعمل، الذي يُعتبر اليوم المعمل الوحيد في لبنان الذي يعتمد على الفرز من المصدر.
“ما في روائح، ما في تلوث”، يقول مسؤول عمليات الفرز في المعمل بيار حبشي، موضحًا أن العملية تمر بثلاث مراحل: تتمثل المرحلة الأولى بالفرز في المنازل، حيث وُزّعت أربع مستوعبات على كل بيت، وجرى تدريب الأهالي.
أما المرحلة الثانية فتشمل عملية الجمع بواسطة شاحنة خاصة تجول على المنازل المحددة وفق جدول يتم تنسيقه مع السكان عبر مجموعات واتساب. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فهي الفرز داخل المعمل إذ تُوضّب النفايات وتُكبس وتُباع لاحقًا بشفافية.
رغم التحديات، يبقى الأمل كبيرًا: “نطمح للوصول لمرحلة صفر نفايات”، يقول حبشي، في بلد لا تزال فيه أزمة النفايات مرآة لانهيارات أكبر وانعكاساً لتفاقم الأزمات البيئية.
تقصير رسمي وأمل بالمجتمع
تتحدث ريما بعتب عن غياب شبه تام للدولة: “الدولة غائبة، الجمعيات والمنظمات يسدّون الفجوات”، ورغم أنها تلمس دعماً من المجتمع للجهود البيئية وخاصة على صعيد تجربتها الشخصية، تأسف لأن الإعلام لم يكن على قدر التوقعات والمسؤوليات “الإعلام لا يغطي جهودنا ونشاطاتنا بشكل كافٍ، وهذا يحرمنا من فرصة التوسع والتطور على مستوى لبنان”.
كلارا الخوري: ريادة نسائية في حماية البيئة البحرية في لبنان
“البيئة هي مستقبلنا، وإذا لم نحمها، لن يكون لدينا مستقبل”، بهذه الكلمات البسيطة والمباشرة، تبدأ كلارا الخوري، الناشطة البيئية البارزة في لبنان، حديثها عن أهمية الحفاظ على البيئة البحرية ودور النساء في هذا المجال الحيوي. المدافعة عن حماية الشواطئ اللبنانية والأملاك العامة البحرية وقائدة حملة “أنقذوا كفرعبيدا” الهادفة لحماية الشاطئ العام للبلدة من التعديات والمشاريع العقارية.
منصة المحميات البحرية: خطوة نحو التغيير الفعّال
في حفل إطلاق منصة المحميات البحرية في لبنان، حيث كانت كلارا من المتحدثين الرئيسيين، كانت رسالتها واضحة: البيئة ليست مسؤولية طرف واحد، بل هي مسؤولية جماعية يتشارك فيها الجميع، من الطالب إلى الأستاذ، من الأم إلى الناشط البيئي، ومن صاحب القرار إلى كل فرد في المجتمع. مضيفة: “جميعنا يجب أن نعمل سويا من أجل ضمان مستقبل بيئي مستدام”.
البيئة هي مستقبلنا،
وإذا لم نحمها، لن يكون لدينا مستقبل
تشير كلارا الخوري إلى أهمية وجود منصة متخصصة بالمحميات البحرية في لبنان، وتقول: “في عالمنا اليوم، حيث لا نملك رفاهية الوقت، هذه الشبكات هي السبيل للوصول إلى نتائج سريعة وفعّالة.” فالعمل الجماعي والسرعة في التنفيذ هما المفتاح لمواجهة التحديات البيئية التي تهدد التنوع البيولوجي، خاصة في البحر اللبناني.
النساء في القطاع البيئي: حقهن في التواجد والمشاركة
أما عن دور النساء في القطاع البيئي، وخاصة في مجالات البحر، فكلارا لا ترى أي عوائق أمامهن. “المرأة تمثل أكثر من نصف المجتمع، ولها الحق في التواجد في كل مكان” مؤكدة على أن المرأة ليست مجرد إضافة للمجتمع، بل هي عنصر أساسي. وفي مجال البيئة، هي جزء من الحلول وليست متفرجة على الأحداث. المرأة في لبنان أظهرت حضورها بقوة في هذا المجال، خاصة وأن العديد من الناشطات البيئيات بدأوا العمل في هذا المجال منذ أكثر من عشرين عامًا.
عندما تدركين أن قضيتك محقة،
عليك أن تتسلحي بالقوانين وتستمري في المطالبة بحقك
وبالرغم من التحديات التي تواجه الناشطات البيئيات، تؤكد كلارا أن “التحديات نفسها يواجهها الرجال والنساء على حد سواء، مثل الفساد والعراقيل الإدارية.” ومع ذلك، تعلمت كلارا من تجربتها أن المثابرة والإصرار هما السلاح الأقوى. “عندما تدركين أن قضيتك محقة، عليك أن تتسلحي بالقوانين وتستمري في المطالبة بحقك”.
المرأة في الخطوط الأمامية
تتحدث كلارا عن دور المرأة في مواجهة الأزمات البيئية، وتؤكد أن “المرأة تستطيع أن تلعب دورًا أكبر من خلال التربية البيئية”. فالأم (مقدم/ة الرعاية)، بحسب كلارا، هي شريكة في نقل الوعي البيئي من جيل إلى جيل، خاصة في غياب مواد التربية البيئية عن المناهج المدرسية.
وفيما يتعلق بتمكين النساء في لبنان، تشير كلارا إلى أن تمكين النساء في جميع المجالات، وخاصة في المجال البيئي، هو ضرورة لا يمكن تجاهلها. فـ”المرأة نصف المجتمع، يجب أن تكون حاضرة في مراكز القرار، لأن تواجدها في هذه المواقع هو قيمة مضافة.
العمل الجماعي لمستقبل بيئي أفضل
وتختتم كلارا حديثها برؤية مشرقة للمستقبل: “إذا تخيلنا القيادة النسائية في القطاع البيئي في لبنان، يجب أن نرى النساء في كل مكان، من الوزارات إلى المنظمات غير الحكومية، وفي كل مكان يصنع القرار البيئي. نساء ورجال لبنان معًا يمكنهم أن يحققوا مستقبلًا بيئيًا أفضل”.
فالعمل الجماعي، المثابرة، والتمكين النسائي، هي المبادئ التي تقود كلارا الخوري في مسيرتها البيئية، وهي التي تعمل بلا كلل من أجل أن يصبح لبنان مكانًا أكثر استدامة للأجيال القادمة.
الدكتورة نجاة صليبا: نموذج القيادة البيئية في لبنان
الدكتورة نجاة صليبا، النائبة في البرلمان اللبناني والأستاذة في الجامعة الأميركية، تُعد واحدة من أبرز الشخصيات في مجال البيئة والتشريع البيئي في لبنان. من خلال مسيرتها الطويلة، تركزت جهودها في تعزيز القوانين البيئية وحمايتها من التدهور، فضلاً عن دورها البارز في تطوير السياسات البيئية التي تهدف إلى مواجهة التحديات البيئية المحلية والعالمية. إضافة إلى عملها الأكاديمي والتشريعي، هي ناشطة بيئية تسعى إلى خلق تحولات بيئية حقيقية في لبنان، مجسدة دور المرأة الريادي في هذا المجال.
النساء، بشكل خاص في المناطق الزراعية والبقاعية،
هن الأكثر تعرضًا لتداعيات التلوث والتدهور البيئي.
لطالما كانت النساء في لبنان جزءًا أساسيًا من الحركة البيئية، لكن ربما ليس بالقدر الذي تتطلبه التحديات البيئية التي نواجهها اليوم. د. نجاة صليبا ترى أن التحديات التي تفرضها القضايا البيئية قد تفرض نفسها بشكل أكبر على النساء، لا سيما في المجتمعات الريفية. “النساء، بشكل خاص في المناطق الزراعية والبقاعية، هن الأكثر تعرضًا لتداعيات التلوث والتدهور البيئي. لهن دور حاسم في استدامة البيئة، سواء من خلال مسؤولياتهن العائلية أو المجتمعية”، تقول د. صليبا.
لكن بالرغم من ذلك، يبقى دور النساء في السياسات البيئية محدودًا من حيث التشريعات التي تكفل حقوقهن وتضمن لهن المشاركة الكاملة في اتخاذ القرارات البيئية. “في لبنان، نحن بحاجة إلى تشريعات داعمة للنساء في قطاع الزراعة وحماية الموارد البيئية”، تضيف. ” هنالك الكثير من النساء في القطاع الزراعي اللواتي يواجهن تحديات على صعيد حقوق العمل والصحة، وعلينا أن نضع قوانين تضمن لهن المساواة وتؤمن بيئة عمل آمنة”.
غياب الإرادة السياسية الفاعلة فاقم الأزمات البيئية
أما بالحديث عن التحديات البيئية في لبنان، فلا يسع د. صليبا إلا أن تشير إلى أن الوضع البيئي في لبنان يعكس بشكل كبير غياب الإرادة السياسية الفاعلة. فقد شهدنا تدهورًا مستمرًا في حالة الموارد البيئية، من تلوث الهواء إلى الأزمات في قطاع المياه والنفايات. “أزمات مثل تلوث الهواء أو التدهور في نوعية المياه ليست مسائل بيئية فحسب، بل هي مسائل صحية واجتماعية تؤثر بشكل مباشر على المواطنين، خاصة النساء والأطفال”، تقول صليبا.
المرأة اللبنانية لا تقتصر مهمتها في المنزل، بل هي عامل أساسي في استدامة البيئة في مجتمعاتها المحلية، وهي رائدة في نقل الوعي البيئي
إحدى القضايا التي تبذل جهودًا كبيرة في مواجهتها هي أزمة النفايات، والتي تُعد أحد أبرز التحديات في لبنان. “في العام 2015، وقعنا في أزمة نفايات كبيرة، وكانت الحكومة في البداية تفتقر إلى أي خطة حقيقية للتعامل مع هذا الملف، على الرغم من وجود قوانين بيئية قد تكون فاعلة لو تم تطبيقها بشكل صحيح” مستذكرة إحدى أسوأ الأزمات البيئية في تاريخ لبنان.
وعن مشاركة النساء في العمل البيئي ترى أن النساء في لبنان قد أثبتن أنهن أكثر قدرة على التأثير في البيئة بشكل إيجابي، خاصة في المناطق الريفية. “المرأة اللبنانية لا تقتصر مهمتها في المنزل، بل هي عامل أساسي في استدامة البيئة في مجتمعاتها المحلية، وهي رائدة في نقل الوعي البيئي من خلال الأنشطة المجتمعية والعمل التطوعي”.
البداية من التشريعات
تلفت النائبة صليبا الى أن ما يُعيق النساء في لبنان عن لعب دور أكبر في مجال السياسات البيئية هو عدم وجود التشريعات الكافية التي تدعم مشاركتهن الفاعلة في مجال القرار السياسي البيئي. مشيرة الى أن ما نحتاجه هو قوانين تضمن مشاركة أكبر للنساء في وضع السياسات البيئية، مع الأخذ في الاعتبار احتياجاتهن الخاصة في هذا القطاع.
وفي هذا الإطار تؤمن د. صليبا أن الخطوة الأولى نحو التغيير البيئي في لبنان تبدأ من تبني السياسات المناسبة، وتفعيل القوانين البيئية. ولفتت هنا الى جهودها في العمل على تطوير عدة مشاريع قوانين بيئية تهدف إلى تحسين الوضع البيئي في لبنان، ومنها قانون حماية نوعية الهواء، وقانون النفايات الذي يُعد من أهم التشريعات البيئية التي تم العمل عليها. إلا أن “ما يعيق تنفيذ هذه القوانين في لبنان ليس النقص في المعرفة العلمية أو في التشريعات نفسها، بل في غياب الإرادة السياسية”.
ورغم أن القوانين العامة في لبنان يٌفترض أن تكون شاملة، إلا أن الواقع العملي يكشف عن حاجة ملحة إلى تشريعات رديفة تُنصف النساء العاملات، خصوصًا في القطاعات الهشة مثل الزراعة. فالنساء العاملات في هذا القطاع، يشكّلن جزءًا أساسياً من القوى العاملة في أنشطة موسمية مثل القطاف وجمع المحاصيل الزراعية. وغالبًا ما يُؤدين هذه الأعمال الشاقة في ظروف مناخية وصحية قاسية، دون أي حماية قانونية كافية تضمن لهن بيئة عمل لائقة.
رغم أن القوانين العامة في لبنان يٌفترض أن تكون شاملة، إلا أن الواقع العملي يكشف عن حاجة ملحة إلى تشريعات رديفة تُنصف النساء العاملات، خصوصًا في القطاعات الهشة مثل الزراعة.
هذه الفجوة التشريعية تُعرّض الكثير من النساء لانتهاكات غير مرئية، منها ما هو مرتبط بساعات العمل الطويلة وغير المنظّمة، ومنها ما يتعلق بعدم حصولهن على الأجور المستحقة، حيث تُسجّل حالات تتقاضى فيها العائلة (وفي الغالب الزوج) الأجر بدلاً من المرأة العاملة نفسها. كما أن غياب نظام ضمان اجتماعي شامل للفئات العاملة في الزراعة يزيد من هشاشة أوضاع النساء، ويمنعهن من الوصول إلى حقوقهن الاقتصادية والصحية الأساسية.
وفي هذا الإطار، تم العمل مع لجنة مختصة تابعة لمنظمة “الإسكوا” على إعداد مسودة قانون يهدف إلى حماية العاملات في القطاع الزراعي، من خلال تنظيم ساعات العمل بما يراعي احتياجاتهن الجسدية والنفسية، وضمان حصولهن على الأجور مباشرة دون وساطة أو استغلال. هذا القانون المقترح سيتم تقديمه إلى وزارة العمل اللبنانية، على أمل أن يشق طريقه إلى النقاش النيابي ويُعتمد كخطوة ضرورية نحو عدالة اجتماعية ومهنية تشمل النساء كافة، خاصة في المناطق الريفية والمهمّشة
التحديات المستقبلية
أما فيما يتعلق بالمستقبل، تذهب د. صليبا إلى أن لبنان بحاجة إلى رؤية طويلة المدى لحماية البيئة. “مستقبل البيئة في لبنان ليس معتمدًا فقط على الإصلاحات السياسية أو الاقتصادية، بل يتطلب أيضًا بناء وعي بيئي جماعي. نحتاج إلى جيل جديد من الشباب الملتزم بقضايا البيئة، وإلى مشاركة فعالة للنساء في العمل البيئي”.
مؤكدةً أن لبنان يمتلك من الإمكانيات الطبيعية ما يجعله قادرًا على أن يكون مثالاً للمنطقة في مجالات الاستدامة البيئية، ولكن ذلك يتطلب تعاونًا جماعيًا وتفعيلًا حقيقيًا للقوانين البيئية. و”المرأة اللبنانية تمثل حلقة أساسية في هذا التحول، ويجب أن نمنحها الفرصة لتحقيق تأثير أكبر في السياسات البيئية.”
إن دعم النساء وتمكينهن في العمل البيئي لا يُعدّ خيارًا،
بل ضرورة لتحقيق تحول بيئي كبير وشامل
في ظل الأزمات البيئية المتفاقمة في لبنان، تشكل النساء قوة تغيير حقيقية تتجاوز الصور النمطية والأدوار التقليدية. ما نقلناه في هذا التقرير ليس مجرد قصص فردية، بل شواهد حية على قدرة النساء على المبادرة، التنظيم، والتأثير في مجتمعاتهن وعلى مستوى السياسات العامة كما التشريعات.
فمن العمل النيابي والتشريعي إلى الحملات البيئية والتدريب الميداني والأعمال الزراعية البسيطة، أثبتت د. نجاة صليبا، كلارا الخوري، وريما برقاشي أن النساء لا يكتفين برفع الصوت في وجه التحديات، بل يعملن بذكاء وعزيمة وإصرار لإحداث تغيير حقيقي. تجاربهن تؤكد أنّ حماية البيئة ليست مسؤولية مؤسساتية فحسب، بل هي فعل جماعي يبدأ من الأفراد ويتوسع ليشمل المجتمع بأسره.
وعليه، فإن دعم النساء وتمكينهن في العمل البيئي لا يُعدّ خيارًا، بل ضرورة لتحقيق تحول بيئي كبير وشامل. إذ أنّ مستقبل لبنان البيئي لا يمكن أن يُبنى من دون أصوات النساء وجهودهن وخبراتهن ورؤيتهن لعالم أكثر جمالاً واستدامة.
تم إنتاج هذا المحتوى بدعم من منظمة أوكسفام في لبنان، كجزء من مشروع وئام؛ العمل من أجل المشاركة والقبول والوساطة؛ الممول من الاتحاد الأوروبي. لا يعكس المحتوى بالضرورة آراء أو وجهات نظر منظمة أوكسفام في لبنان أو الاتحاد الأوروبي.
This content was produced with the support of Oxfam in Lebanon, as part of the WE’AM project; Working for Engagement, Acceptance, and Mediation; funded by the European Union. The content does not necessarily reflect the views or opinions of Oxfam in Lebanon or the European Union.