مع دخول وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران حيز التنفيذ، يوم الثلاثاء الموافق 24 يونيو2025، بعد 12 يومًا من المواجهات العسكرية غير المسبوقة بين البلدين، طُوي فصل دموي من التصعيد، لكن الملف النووي الإسرائيلي عاد بقوة إلى الواجهة، وتصدّر مفاعل ديمونة المشهد، مثيرًا تساؤلات وهواجس في ظل تعتيم إسرائيلي شديد، ومخاوف لبنانية من سيناريوهات محتملة في حال تجدّدت الصراعات مستقبلاً.
مفاعل ديمونة: الهدف “المحتمل” في أي تصعيد قادم
خلال فترة الحرب، أطلق مسؤولون إيرانيون رسائل واضحة، كان أبرزها تصريح في 21 يونيو 2025، نقله موقع “العربية“، اعتبر فيه مسؤول إيراني أن “مفاعل ديمونة قد يكون هدفًا مشروعًا إذا انتقلت الحرب لأبعاد جديدة”. هذا التصريح أعاد إلى الأذهان المخاوف من تصعيد نووي محتمل في المنطقة.
رغم أن الحرب وضعت أوزارها، إلا أن سيناريوهات العودة إلى المواجهات والتصعيد لا تزال واردة، لا سيما وأن دولة الاحتلال دائمًا ما تنقض اتفاقياتها وتخرق أي معاهدات
ورغم أن الحرب وضعت أوزارها، إلا أن سيناريوهات العودة إلى المواجهات والتصعيد لا تزال واردة، لا سيما وأن دولة الاحتلال دائمًا ما تنقض اتفاقياتها وتخرق أي معاهدات، مما يجعل من الضروري طرح التساؤل: هل يُشكّل ديمونة خطرًا فعليًا على لبنان؟
التعتيم الإسرائيلي على مفاعل ديمونة
تُحاط المعلومات حول مفاعل ديمونة بسرية تامة حتى داخل إسرائيل، إلا أن تقارير صادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) أكدت أن إسرائيل تمتلك ما يقرب من 80 سلاحًا نوويًا. من بين هذه الأسلحة قرابة 30 قنبلة جاذبية يتم إيصالها بواسطة الطائرات. أما الأسلحة الخمسون المتبقية، فيتم إيصالها بواسطة صواريخ “أريحا 2” الباليستية متوسطة المدى، التي يُعتقد أنها متمركزة مع منصات إطلاقها المتنقلة داخل كهوف في قاعدة عسكرية تقع شرق القدس.

يوضح الدكتور بلال نصولي لمنصة “صلة وصل”، وهو رئيس الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، أن هناك تعتيمًا كبيرًا من الجانب الإسرائيلي فيما يخص مفاعل ديمونة، خاصة وأن إسرائيل لا تخضع لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولا تستقبل بعثات التفتيش.
ويضيف أن المعلومات المتوفرة حاليًا عن المفاعل تعتمد على تحليلات قديمة وتسريبات صادرة عن سياسيين غربيين ساعدوا إسرائيل في تطوير برنامجها النووي، وتُشير هذه المعطيات إلى نوعية المفاعل، وطبيعة الوقود النووي المستخدم وكميته، بالإضافة إلى بعض التفاصيل المتعلقة بالمنشآت التابعة له.
لبنان يمتلك بنية قوية للإنذار المبكر في حال الخطر النووي
يؤكد الدكتور نصولي أن لبنان يمتلك 20 محطة رصد إشعاعي مبكر، منتشرة بالتعاون مع الجيش اللبناني داخل ثكنات عسكرية تُغطي كامل الأراضي اللبنانية، وتعمل على مراقبة الهواء على مدار الساعة لرصد أي تغير خارج الخلفية الإشعاعية الطبيعية.
ويشير إلى أن الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية ترصد أي تجاوز للإشعاع الطبيعي وتقوم بإبلاغ الجهات المختصة على الفور لتوجيه وإرشاد المواطنين، وذلك ضمن نظام وطني للاستجابة يعتمد على مؤسسات متخصصة وخطة واضحة.

لبنان مستعد لسيناريو ديمونة بخطة طوارئ إشعاعية منذ 2011 بمشاركة كل الأجهزة
يُفيد نصولي أن لبنان وضع خطة طوارئ إشعاعية منذ عام 2011، تُحاكي سيناريو انفجار في مفاعل ديمونة، وقد تم التدريب عليها بالتعاون مع جهات الاستجابة الأولى، وتشمل: الجيش، قوى الأمن الداخلي، الدفاع المدني، الصليب الأحمر، فوج إطفاء بيروت، والهيئة اللبنانية للطاقة الذرية، إضافة إلى ثلاث وزارات رئيسية: الصحة، البيئة، والزراعة. وأوضح أن “كل جهة تعرف دورها ومسؤولياتها بوضوح ضمن خطة التنسيق المشترك”.

ماذا لو حدث السيناريو الأسوأ؟
في حال وقوع تسرب إشعاعي من مفاعل ديمونة، وفق أسوأ سيناريو ممكن (Worst Case Scenario) – يوضح نصولي أن المسافة بين مفاعل ديمونة وأقرب نقطة حدودية لبنانية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة تبلغ حوالي 275 كم، وتصل إلى 450 كم في أقصى الشمال اللبناني. وبناءً على هذه المسافة، فإن التأثير على لبنان سيكون “moderated”، أي مخففًا وغير مباشر، خاصة وأن السحابة الإشعاعية تتشتت ويضعف تركيزها بفعل المسافة والرياح والعوامل الجوية.
لبنان يمتلك 20 محطة رصد إشعاعي مبكر، منتشرة بالتعاون مع الجيش اللبناني داخل ثكنات عسكرية تُغطي كامل الأراضي اللبنانية
ويقول: “إن الهيئة اللبنانية على تواصل دائم مع الشبكة العربية للإنذار المبكر التابعة لجامعة الدول العربية، ويتم تبادل المعلومات والإنذارات بشكل شبه يومي. كما ترتبط الهيئة بعلاقات مباشرة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، في إطار اتفاقيات التعاون والتبليغ المبكر والمساعدة في حال وقوع حوادث نووية أو كوارث إشعاعية”.

خريطة التأثير الإشعاعي: 4 نطاقات محتملة
تُقسم مناطق التأثير إلى النطاقات التالية:
–Red Zone (0–10 كم): خطر شديد جدًا، يستدعي الإخلاء الفوري.
–Orange Zone (10–50 كم): نطاق الإخلاءات القسرية وتدابير الطوارئ المكثفة.
–Moderated Zone (50–100 كم): إجراءات احترازية قد تشمل إخلاءً مؤقتًا.
–أبعد من 200 كم: التأثير يصبح ضعيفًا جدًا ولا يستدعي القلق المبالغ فيه.
ويختتم قائلًا:
“الكثير مما قيل في الفترة الماضية حول مفاعل ديمونة مبالغ فيه، وصادر عن أشخاص غير مختصين، لا تستند أحاديثهم إلى أي حقائق علمية أو تقنية. لذلك، يجب أخذ المعلومات من المصادر الرسمية الموثوقة فقط”.
رغم توقف الحرب، إلا أن هشاشة الاتفاقات وتاريخ الخروقات، خاصة من قبل إسرائيل، يجعل من العودة إلى التصعيد أمرًا واردًا في أية لحظة. وبين التعتيم الإسرائيلي، والمخاوف الإقليمية، يظل الملف النووي أحد أخطر أوراق الصراع في المنطقة.
ومن هنا، تبرز أهمية الجاهزية والتوعية المجتمعية، وفقًا لما تُوصي به اللجنة الدولية للحماية من الإشعاع (ICRP)، لضمان سلامة المدنيين في حال وقوع أي طارئ نووي.
الكثير مما قيل في الفترة الماضية حول مفاعل ديمونة مبالغ فيه، وصادر عن أشخاص غير مختصين، لا تستند أحاديثهم إلى أي حقائق علمية أو تقنية.
إرشادات اللجنة الدولية للحماية من الإشعاع (ICRP):
تُوصي اللجنة الدولية للحماية من الإشعاع (ICRP) باتباع خطة واضحة ومقسّمة زمنيًا لحماية الأفراد عند وقوع تسرب إشعاعي، وهي كالتالي:
الدقائق العشر الأولى:
-يُنصح باللجوء الفوري إلى ملجأ آمن داخل مبنى خرساني أو إلى القبو (البدروم).
-يُفضّل الاحتماء في المباني متعددة الطوابق ذات الجدران الإسمنتية أو من الطوب.
-تُعد مواقف السيارات تحت الأرض ومحطات المترو أماكن جيدة للاحتماء.
-كلما زادت المواد بينك وبين البيئة الخارجية (مثل الجدران والأرضيات)، زادت الحماية من الإشعاع.
أول 24 ساعة:
في حال الشك بالتعرض للإشعاع، يجب:
-خلع الملابس والأحذية الملوثة.
-تنظيف الجلد والشعر بالماء والصابون، أو المسح جيدًا بمناشف مبللة.
-تنظيف الحيوانات الأليفة في غرفة منفصلة عن مكان الاحتماء، وغسلها إن أمكن.
-الطعام، الشراب، والدواء المتوفر داخل المتاجر أو أماكن الاحتماء يُعد آمنًا للاستهلاك.
-الاستماع إلى التعليمات عبر وسائل الإعلام.
-البقاء داخل المأوى طوال أول 12 إلى 24 ساعة، ما لم يكن هناك تهديد مباشر (مثل حريق، أو تسرب غاز، أو انهيار المبنى).
-لا يُنصح بالخروج أو الإخلاء الذاتي إلا بعد إعلان السلطات عن المسارات الآمنة.
بعد مرور 48 ساعة:
-استمرار الحذر مع بدء مستويات الإشعاع في الانخفاض، لكنها قد تظل خطيرة في بعض المناطق.
-الاستمرار في متابعة وسائل الإعلام للحصول على تعليمات محدثة.
-تقليل مدة البقاء خارج المأوى لأقصى حد ممكن إذا اضطررت للخروج، وارتداء كمامة أو غطاء قماشي للأنف والفم.
-يُفضّل ارتداء طبقة إضافية من الملابس أو البلاستيك فوق الملابس، وخلعها عند العودة وتنظيف الجلد جيدًا.
-يجب على النساء الحوامل والأطفال البقاء في أكثر الأماكن حماية داخل المأوى (منتصف المبنى أو القبو).
-الاستمرار في تناول الطعام والماء المخزن بحذر، وامسح العبوات من الخارج قبل الاستخدام.
-لا يُنصح باستهلاك المنتجات الزراعية المحلية مثل الفواكه والخضروات دون فحصها.
-في حال عدم توفر مياه معبأة، يمكن استخدام مياه الصنبور للشرب أو الغسيل.