نزح عمر حنان “60 عاماً” من أفراد ذوي الإعاقة من مدينة عفرين الواقعة شمال غرب سوريا عام 2018 خلال القصف التركي على مدينته، حينها خسر عائلته، وبقي وحيداً نتيجة القصف، باختصار يصف عمر واقع نزوح ومعاناة ذوي الإعاقة في المناطق الشمالية لسوريا لمنصة “صلة وصل”.
يقيم عمر اليوم في أحد أحياء مدينة حلب، يقول:”لا أملك ما يعينني للعيش بكرامة، ولا سيما أنني من كبار السن، ومن فئة الأشخاص ذوي الإعاقة، ما يسبب لي عائقاً في العمل وكسب لقمة العيش، ولا أتلقى أي مساعدات أو أي دعم، نحن كنا مهمشين قبل القصف وأثناءه وبعده”.
حال عمر هي إحدى الحالات التي أسهمت الحرب بتفاقم معاناته وخسارته لمعين له، حيث أكدت المتحدثة باسم منظمة اليونيسف في لبنان، تيس إنغرام تضاعف عدد الأشخاص من الفئات المهمشة، كالنازحين مثلاً الذين يواجهون ظروفاً قاسية في العالم أجمع، وصار مأواهم أماكن نزوح جماعية متمثلةً بالمدارس والمخيمات، أو بيوت مستأجَرة بتكاليف باهظة وسط تدهور وضعهم الاقتصادي، كما حصل مع النازحين في مدينة سري كانيه/ رأس العين السورية عندما اُحْتُلّت عام 2019 من قبل تركيا”.
أكدت المتحدثة باسم منظمة اليونيسف في لبنان، تيس إنغرام تضاعف عدد الأشخاص من الفئات المهمشة، كالنازحين مثلاً الذين يواجهون ظروفاً قاسية في العالم أجمع
المدن والقرى اللبنانية تشهد حاليا نزوح هائل من مختلف المناطق، بسبب الحرب الإسرائيلية الدائرة منذ 23 أيلول/ سبتمبر، الأمر الذي يؤثر مباشرة في الأطفال ما يسبب صدمات نفسية يعانونها اليوم، وسيعانونها مستقبلاً، إذ أكدت أيضاً المتحدثة باسم منظمة اليونيسف في لبنان، تيس إنغرام خلال زيارتها الأخيرة على لبنان في 24 تشرين الأول/أكتوبر 2024 أن “اليونيسف تبذل ما بوسعها لمساعدة الأطفال على معالجة صدماتهم من خلال الدعم النفسي والاجتماعي، والرعاية الصحية العقلية” مؤكدةً أنه بحاجة إلى سلام ووقف إطلاق النار.
لانجا يوسف (اسم مستعار لنازحة لبنانية) رفضت ذكر اسمها حفاظاً على خصوصيتها كما طلبت، تقول لمنصة صلة وصل: “نزحنا بملابسنا فقط، لا نملك شيئًا الآن سوى أرواحنا المتهالكة التي جُرِّدت من كرامتها، افترشنا الأرض لثلاثة أيام متتالية حتى وصلنا إلى العاصمة بيروت، وأقمنا في بيت إحدى المعارف لمدة يومين، ومن بعدها لجأنا إلى أحد مراكز الإيواء”.
لانجا وعائلتها المكونة من أم وطفلتين عاطلة عن العمل رغم محاولاتها في إيجاد فرصة تستطيع من خلالها تأمين ما يلزم لعائلتها.
هذا الأمر يضعنا جميعاً في خضم الحروب الحالية وأهوالها ضمن مرحلة الكفاح من دون توقف بغية الوصول لمرحلة آمنة أكثر استقراراً ومستقبلاً أقل فقداً، في محاولة منا لنحيا كما نريد، إلا أنّه هناك شريحة واسعة من المجتمع طالها الإهمال والتهميش في الكثير من البلدان التي تتوسع فيها دائرة الصراعات والنزاعات والحروب، وبات الحديث عن أشكال التمييز الممنهجة التي تتعرض لها هذه الشريحة وكيفية تقديم الدعم لها ضرباً من الخيال، إلا أن المحاولات لا تزال مستمرة، ولكن بنسبة ضئيلة جداً وفقاً للإمكانات المتوفرة.
كيف تتأثر الفئات المهمَّشة في الحرب؟
رهام الأحمد، 45 عاماً، لبنانية فضلت أيضاً عدم الكشف عن اسمها، وهي نازحة من مدينة رأس العين/سري كانيه، تقول:”هذا أبشع شعور من الممكن أن يعيشه الإنسان على الإطلاق. أُخرِجنا من أماكن ذكرياتنا من دون مبالاة. هُجِّرنا أنا وعائلتي في رحلة نزوح قسرية صعبة. أنا وزوجي لا نملك سوى القليل من المال لقضاء حوائجنا. المركز الذي نوجد فيه حالياً لا تتوفر فيه غالبية المستلزمات الضرورية اليومية ومقومات الحياة التي أحتاج إليها أنا وأطفالي الثلاثة، والذين يحتاجون إلى رعاية خاصة من جميع الجوانب، لا سيما أننا مقبلون على أجواء شتوية قاسية”.
الممارسات التمييزية ضد الفئات المهمَّشة، وخاصة النساء والأطفال وذوي الإحتياجات الخاصة، كانت تُمارَس قبل الحرب، إلا أنها تفاقمت بشكل أكبر خلالها، وتمثلت في تردي سبل العيش الأساسية وصعوبة الوصول إليها، إضافة إلى غياب الرعاية الصحية اللازمة، والتمييز البنيوي القائم على العرق والنوع، فضلاً عن الفوارق الاقتصادية والمساعدات الإنسانية التي تكاد تكون معدومة. كما أن هذه الفئات لا تُشرك في إجراءات وخطط الإغاثة المحلية، الإقليمية والدولية، وتحديداً خطط الطوارئ الضرورية.
الممارسات التمييزية ضد الفئات المهمَّشة، وخاصة النساء والأطفال وذوي الإعاقة، كانت تُمارَس قبل الحرب، إلا أنها تفاقمت بشكل أكبر خلالها
في لبنان، يعاني المهمَّشون والمهمَّشات في منطقة باب التبانة في طرابلس شمال لبنان، حيث يُقدر عددهم بنحو 24,000 نسمة، منهم 28.9% لبنانيون، والباقون لاجئون سوريون وفلسطينيون يعانون من التهميش على كافة الأصعدة، الصحية والتعليمية والاجتماعية، إضافة إلى الاقتصادية، بحسب تقرير التنمية الاجتماعية الثالث الصادر عن الإسكوا لعام 2019.
وقد كشف آخر تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” عن سوريا، الصادر عام 2023، أن السوريين عانوا في أواخر العام ذاته من انتهاكات شديدة ومصاعب، بسبب النزاع المستمر وتدهور الظروف الاقتصادية وانعدام الأمن السائد. وتشير تقديرات “الأمم المتحدة” إلى أنه، للمرة الأولى منذ بداية النزاع، يعاني السوريون في جميع أنحاء سوريا من درجات متفاوتة من “المعاناة الإنسانية”.
في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا، يعيش أكثر من 4.1 مليون مدني، نصفهم نزحوا مرة واحدة على الأقل منذ بداية النزاع. المدنيون في هذه المناطق محاصرون فعلياً ويفتقرون إلى الموارد اللازمة للانتقال إلى منطقة أخرى، كما لا يمكنهم طلب اللجوء في تركيا، ويخشون الاضطهاد إذا حاولوا الانتقال إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وفقاً للتقرير ذاته.
أما في لبنان، وفي ظل الحرب الدائرة على البلاد، لم تعلن السلطات اللبنانية عن خطة طوارئ تراعي وضع النازحين نتيجة القصف الإسرائيلي، سوى فتح بعض المدارس ومراكز الإيواء. أما الإغاثة، فتقدم من قبل منظمات المجتمع المدني. هذا التهميش الذي يعاني منه النازحون وذوي الإحتياجات الخاصة يأتي نتيجة السياسات الممارسة بحقهم، والتي من المرجح أن تستمر لأعوام أخرى مستقبلاً إن بقي الحال على ما هو عليه. وبالتالي، تبقى هذه الشريحة على الهامش، مما يؤدي إلى تعميق الشرخ وتوسيع الفجوة في المجتمع دون وضع أي استراتيجية لتنفيذها.
أعدَّ لبنان خطته الوطنية الأولى بشأن حقوق الإنسان وأقرَّها في عام 2014، وتضمنت أهدافاً تتعلق بالحقوق المكرسة في الدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية. ومن هذه الحقوق، التي يبلغ عددها واحداً وعشرين، الحقوق المدنية والسياسية، إلى جانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكن، حسب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لم يُطبَّق أي شيء منها.
وبعد انقضاء مدة الخطة الأولى في تموز 2020، التمست اللجنة البرلمانية لحقوق الإنسان، برئاسة النائب ميشال موسى، دعم مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بهدف تطوير خطة جديدة لمراجعة الخطة الأولى وتطويرها، خاصة في ضوء المستجدات القانونية والسياسية والإدارية والقضائية المختلفة، وفقاً لتقرير نُشر بتاريخ 2 يوليو/تموز 2021.
التحديات
وثقت منظمة العفو الدولية انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان في سوريا، حيث يحتاج حوالي 8.8 مليون إنسان إلى المساعدات، إذا استمرت جميع أطراف النزاع والقوى المتحالفة معها في شن هجمات برية وجوية غير مشروعة على المدنيين والأعيان المدنية في شمال سوريا. كما منعت الحكومة السورية وقوات الجيش الوطني السوري وصول المساعدات والهيئات الإنسانية، بما في ذلك المساعدات المتعلقة بالزلازل، في محافظة حلب، إضافة إلى حالات الاختفاء القسري وشن روسيا ضربات جوية طالت المدنيين، وفقاً للتقرير الأخير الذي نشرته منظمة العفو الدولية عن حالة حقوق الإنسان في العالم لعام 2024.
أما في لبنان، فقد تصاعدت وتيرة العنف مؤخرا على الحدود بسبب الحرب الدائرة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، في أعقاب الهجمات التي شنتها حركة حماس الفلسطينية في غزة على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول تحت عنوان “طوفان الأقصى”. وفي ظل الأزمة الاقتصادية المستمرة، لم توفر الحكومة اللبنانية حماية كافية لحقوق الناس، مثل الصحة، والضمان الاجتماعي، والسكن، مما أدى إلى آثار مدمرة على الجماعات المهمشة.
في ظل الإفلات الممنهج من العقاب، بما في ذلك محاسبة المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت عام 2020، صعَّدت السلطات من استخدام قوانين التحقير والقدح والذم الجزائية لخنق حرية التعبير والانتقام من المنتقدين. استُهدف، على وجه الخصوص، الصحفيون، والنقابيون، والنشطاء. كما شنّت السلطات هجوماً ممنهجاً على أفراد مجتمع الميم عين، وأثارت بعض الجهات العداء ضد اللاجئين، بحسب التقرير ذاته لمنظمة العفو الدولية.
بناء على ذلك يتطلب الأمر نمطاً معيناً من التعامل من ناحية الجندر والعلاقات الاجتماعية، والتمثيل العادل للفئات المهمشة بغية مشاركتهم وتطويرهم لقدراتهم و ذواتهم ومجتمعهم بصورة أكثر إيجابيةً، تأمين فرص العمل لهم بهدف تمكينهم وإدماجهم وعلاج مشاكلهم وخاصّة فيما يتعلق بالنازحين واللاجئين (الذين يشكلون النسبة الأكبر من هذه الفئة بما تتجاوز ال120 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بحلول أواخر نيسان 2024) حسب النسخة الأحدث من التقرير الذي أصدرته مفوضية اللاجئين. في يونيو 2024 ، ازدادت أعداد النازحين بشكل قسري على مدار ال12 سنة المنصرمة، ناهيكم عن الحالة النفسية غير المستقرة، وإيصالهم للحكومات لتتولى مسؤولية حمايتهم وتأمين العيش الكريم لهم، وكذلك المنظمات المحلية والإقليمية والدولية لإعادة تأهيلهم وبناء حياة جديدة لهم.
تقاطعات العنصرية مع الجندر في ظل الحرب واللجوء
لا يمكننا تناول الموضوع بعدسات ضيقة، إذ ثمة الكثير من التقاطعات مع التحديات التي تواجهها الفئات المهمشة في ظل الحروب والصراعات. تعاني هذه الفئات من التشرذم والتمييز العنصري متعدد الجوانب، بما في ذلك التمييز على أساس الجنس، والعرق، والثقافة، والإثنية.
تواجه اللاجئات، على وجه الخصوص، تجاوزات جسيمة، مثل العنف الأسري المغلق، حيث يُطلب منهن إعداد الطعام والغسيل وسط ظروف قاسية، دون مساعدة من أزواجهن أو آبائهن أو إخوانهن.
تواجه اللاجئات، على وجه الخصوص، تجاوزات جسيمة، مثل العنف الأسري المغلق، حيث يُطلب منهن إعداد الطعام والغسيل وسط ظروف قاسية، دون مساعدة من أزواجهن أو آبائهن أو إخوانهن. كما تُحرمن من دخول مراكز اللجوء التابعة للحكومات في الدول المضيفة، في مخالفة لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقّرته الجمعية العامة 1948 والذي نص على تمتع الجميع بالحريات الأساسية بالحقوق بمنأى عن التمييز.
ذوي الإحتياجات الخاصة والفئات الأكثر هشاشة
تعاني النساء من ذوات الحاجات الخاصة من غياب شبه تام لتوفير احتياجاتهن الأساسية، مثل الفوط الصحية أثناء الدورة الشهرية، وحليب الأطفال، والمنظفات المنزلية، والمواد الغذائية. إضافة إلى عدم قدرتهن على تأمين تعليم أطفالهن بسبب غياب الجنسية للدولة المضيفة.
أما العاملات المنزليات المستقدمات إلى بعض الدول بنظام الكفالة، فيتعرضن لتمييز عنصري متزايد أثناء الحروب، كما هو الحال في لبنان. ترفض الحكومة اللبنانية تقديم أي دعم لهن، بما في ذلك استقبالهن بمراكز الإيواء. كما تُصادر أوراقهن الثبوتية وجوازات سفرهن، مما يتركهن بلا مأوى بسبب رفض مراكز اللجوء استقبالهن ، اما الأمر الأكثر سوءًا عندما تكون إقاماتهن منتهية الصلاحية والسفارات خلال فترة الحرب غالباً ما تكون مغلقة حتّى إشعار آخر مجهول، مما يجبر العاملات على الإقامة في أماكن غير مؤهلة وغير آمنة حسب جوري لوري، المتحدث باسم منظمة الهجرة الدولية.
.
المشاكل وحلول الاستدامة
اتفق خبراء التنمية الاجتماعية على أن تمكين الفئات المهمشة يتم بأفضل صورة من خلال مشاركتها النشطة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. يتطلب ذلك توفير الموارد الكافية وإزالة جميع الحواجز التي تحول دون إدماج الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة.
على الصعيد الإقليمي، سلطت عدة تقارير للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا الضوء أيضا على الافتقار إلى بيانات دقيقة وقابلة للمقارنة عن الإعاقة، بما في ذلك في المجالات الرئيسية للتعليم والعمالة والصحة والحماية الاجتماعية. وتتراوح بعض التقديرات لمعدلات انتشار الإعاقة في البلدان الأعضاء في الإسكوا من 0.4 في المائة في قطر 8 إلى 4.9 في المائة في السودان، 9 في تناقض صارخ لحقوق الإنسان، بحسب الوثيقة.
وكشفت الوثيقة أنه نحو 15 في المائة من سكان العالم (أكثر من مليار شخص) يعانون من الإعاقة. وقد تنشأ معدلات الانتشار المنخفضة المقدرة في المنطقة العربية من عدة عوامل، بما في ذلك استخدام التنبؤات غير المتسقة والافتقار إلى بيانات دقيقة تفي بالمعايير الدولية.
وفقاً لوثيقة طرحتها منظمة الإسكوا عام 2014، يجب جمع البيانات وتحليلها بصورة منهجية، وإنشاء نظم للرصد تشمل جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين، ونشر التقارير الدورية لمواجهة هذه التحديات، وتحقيق إدماج فعلي للفئات المهمشة.