مهمتنا تبدأ وتمضي بكم/ ن

التهميش الأمني يلاحق بعلبك الهرمل حتى في أصعب الظروف

اشترك في

النشرة البريدية الأسبوعية: 

تم الاشتراك في النشرة بنجاح تم حدوث خطأ غير متوقع

تبعنا علي

وسائل التواصل الاجتماعي

تم حفظ المقال في المفضلة
تم نسخ الرابط بنجاح!
الأربعاء 19 مارس 20258:13 م

لم يفق لبنان بعد من صدمة العدوان الإسرائيلي الأخير، وما خلفه من أضرار وتبعات مستمرة حتى اليوم، حتى وجد نفسه أمام مشهد أمني جديد، لكن هذه المرة في خاصرته الشرقية.

وبينما لا تزال بعض القرى الجنوبية تحت رحمة الاحتلال بحجة تمديد هدنة وقف إطلاق النار، استفاق أهالي بعلبك – الهرمل بتاريخ ٢٨ كانون الثاني  2024 على وقع غارات إسرائيلية استهدفت أطراف عدد من القرى في شرق بعلبك، بالتزامن مع محاولات اختراق من قبل مجموعات سورية مسلحة للقرى الحدودية في شمال شرق لبنان، وتحديدًا عند أطراف بلدة القصر والمناطق اللبنانية-السورية المشتركة، حيث تشابكت الجغرافيا والتاريخ لعقود، قبل أن تبدأ اليوم بالانقسام والشرخ، مع تبادل للأسرى بين أسرى لبنانيون من العشائر اللبنانية وبالتحديد من عائلة جعفر ومن عائلة الجمال شخص واحد، أما الطرف الثاني فهم ثلاثة مقاتلين يتبعون لهيئة تحرير الشام.

وفي ظل غياب أجهزة الدولة الأمنية، وجدت عشائر بعلبك – الهرمل نفسها في موقع الدفاع عن الأرض والنفس، مواجهةً مباشرة مع فصائل سورية مسلحة حديثة الحكم، تتعدد شعاراتها وولاءاتها، من دون أن تكون خاضعة لقيادة موحدة. هذه الفصائل، التي تصفها بعض التقارير الإعلامية بالقوات السورية الحكومية، تبدو أقرب إلى ميليشيات غير موحدة القيادة، تحمل صبغة الجماعات المسلحة ذات الانتماءات المختلفة، أكثر من كونها قوات لها طابع نظامي.

الدولة الغائبة.. والعشائر في الواجهة

مع تصاعد الأحداث، غاب الموقف الرسمي للدولة اللبنانية، حكومة تصريف الأعمال، التي فاوضت على وقف إطلاق النار مع إسرائيل، لم تجتمع، والمجلس الأعلى للدفاع لم يصدر بيانًا يوضح ما يجري. وحده منشور مقتضب على الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية أشار إلى اتصال بين الرئيس اللبناني ونظيره السوري (في الفترة الانتقالية)، حيث أكدا على “تجنب استهداف المدنيين”، وكأن الأمر لا يعدو كونه خلافًا عائليًا على ميراث، وليس اشتباكات عسكرية على الحدود اللبنانية.

في ظل هذا الفراغ الرسمي الذي استمر لحين ولادة الحكومة العتيدة برئاسة نواف سلام، والتي أعطت الضوء الأخضر لوزارة الدفاع بتحمل المسؤولية الأمنية على الحدود السورية، بعد أن تكرّس لدى أبناء العشائر اقتناع بأن “السلاح هو الضمانة الوحيدة”، معزّزًا ثقافة حمل السلاح والتمسك به.

أما في بيئة “المقاومة”،  فقد اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات تمجّد السلاح كدرع حصين، فيما بدا كإحياء غير مباشر لسردية لطالما أثارت الجدل في لبنان، مؤكدين أن:”السلاح خارج الدولة هو الحل عندما تتخلى الدولة عن مسؤولياتها؟”

هذه الثقافة، حملت جدلًا واسعًا وإشكاليات جمّة بين اللبنانيين على مدار السنوات الماضية، حسمها رئيس الجمهورية جوزاف عون في خطاب القسم وأكّد على حصر السلاح بيد الدولة وقواتها المسلحة، ضاربًا خطاب تكريس ثقافة الأسلحة الثقيلة بيد عشائر بعلبك – الهرمل في المشهدية الأخيرة للدفاع عن القرى اللبنانية التي يعدها سكان هذه القرى الحدودية بأنها “شرعية خالصة”، مما يثير تساؤلات حول مدى تطبيق مفاعيل هذا القسم بشأن حصر السلاح. 

الجيش بين الحياد وضبط الحدود.. والمجتمع في مواجهة حقائق جديدة

رغم تجدد الاشتباكات على الحدود اللّبنانية السّورية في اليومين الماضيين إلى مستويات غير مسبوقة، وسقوط عدد من الشهداء اللبنانيين جرّاء اشتباكاتٍ استخدمت فيها المجموعات السّورية المسيرات والصواريخ وحتى الدبابات، وصولًا إلى سقوط إحدى القذائف داخل ثُكنة قيسان التابعة للجيش اللبناني قرب بلدة القصر في جرماش الحدودية، إلا أن قيادة الجيش اللّبناني اختارت البقاء على الحياد في بداية الأمر، وبعد مضي أكثر من أسبوعين على اندلاع الاشتباكات أصدرت قيادة الجيش اللبناني توجيهات صارمة للوحدات العسكرية بالرد على مصادر النيران واستعادة الهدوء كما كان سابقاً.

تكمن ضرورة هذه التوجيهات ولو جاءت متأخرة، بأنها أتت في ظل واقع تواجه فيه الدولة اللبنانية تحديات كبيرة في فرض سيادتها، وسط مشهد أمني متشابك يتطلب حلولاً سياسية وأمنية متكاملة، خصوصًا بعد سقوط مسيّرات “شاهين” السورية فوق منازل المدنيين في بلدة القصر اللبنانية، الأمرالذي فتح باب الاتهامات مجددًا تجاه “حزب الله”، وجرّ معه النقاش إلى المربع نفسه: هل كان تدخل الحزب في الأزمة السورية مبررًا؟ وهل كانت المعركة في القلمون استباقية لحماية الداخل اللبناني فعلًا؟

اليوم، يجد جمهور المقاومة في هذه التطورات تبريرًا لصحة خياراته، بينما يرى قسمٌ آخر من اللبنانيين بأن ما يحصل هو رد فعل طبيعي على تدخل “الحزب” العسكري العريض في سوريا.

 إن الأحداث التي كانت تُناقش في السابق كفرضيات سياسية، أصبحت اليوم وقائع على الأرض، تدفع بهذه الفئة من اللبنانيين إلى التمسك بالسلاح، باعتباره -بنظرهم- الضامن الوحيد للبقاء داخليًا وخارجيًا، وباعتبار أن الموقف الرّسمي للبنان طوال فترة الأزمة السّورية كان الوقوف على الحياد، كما التزامها الحياد الآن خلال عملية تصفية الحسابات بين حزب الله والمعارضة السّورية.

مع سقوط النظام السّوري و خروج الحزب من سوريا، تظل سردية جمهور حزب الله قائمة بالتعلق بالسلاح غير الشرعي أكثر من أي وقت مضى

للمفارقة، أن سياسة الحياد العسكرية، غير أنها تبرر للعشائر جمهور “المقاومة” الاحتفاظ بالسلاح، إلا أنها أيضًا تبرر وجهة نظر الحزب في التدخل بالصراع في سوريا، بحيث كانت الحجة الرئيسة للحزب آنذاك حماية المقدسات الدينية من قبل الجماعات الشيعية المسلحة (لواء فاطميون ولواء زينبيون) بالإضافة إلى دخول حزب الله النزاع تحت عنوانين عريضين، الأول الدفاع عن السلسلة الشرقية للبنان من تمدد الجماعات المسلحة إليها. والثاني الدفاع عن نظام بشار الأسد. ومع سقوط النظام السّوري و خروج الحزب من سوريا، تظل سردية جمهور حزب الله قائمة بالتعلق بالسلاح غير الشرعي أكثر من أي وقت مضى، ما يعزز الانقسام والشعور بفدرالية الوطنية اللبنانية، ما يضع الدستور ووحدة لبنان وسلمه الأهلي في مهب الريح.

التوترات تتجاوز الحدود.. إلى الداخل اللبناني

لا تقتصر المسألة على الأمن، بل تمتد إلى عمق النسيج الاجتماعي. بينما تتزايد الاشتباكات على الحدود، يترسخ الشرخ بين مجتمعين كانا متداخلين لعقود، بين أبناء العشائر في بعلبك – الهرمل والجماعات السّورية المسلحة، ومعهم الآلاف من اللاجئين السّوريين الذين يعيشون بين اللبنانيين في تلك المناطق.

لا تقتصر المسألة على الأمن، بل تمتد إلى عمق النسيج الاجتماعي. بينما تتزايد الاشتباكات على الحدود، يترسخ الشرخ بين مجتمعين كانا متداخلين لعقود

في بعض أحياء مدينة بعلبك، رفعت صور لزعامات سياسية سورية، كما في الشمال وبلدات بقاعية أخرى، في رسالة مشحونة بالطائفية، ما يعكس منسوب التوتر المتصاعد، وسط مخاوف من امتداد الشرخ إلى الشارع اللبناني ككل. من جهة بين سوريا ولبنان، ومن جهة أخرى السلطة والمعارضة. أما العدو المشترك الذي لا يفرق الطرفين هو التهميش والفساد وانهيار الدولة. فمن نظام سوري سلب حقوق مواطنيه، إلى سلطة لبنانية شهيرة عالميًا بفسادها ونهبها لأموال المودعين، يبقى السؤال: إلى متى سيبقى الشعبين اللّبناني والسّوري يدفعان الأثمان بدمائهم؟

اليوم، بعلبك – الهرمل ليست مجرد ساحة معركة، بل مرآة تعكس مأزق الدولة اللبنانية بكاملها. وفي ظل النظام الجديد يشكل عنوان السيادة تحديًا كبيرًا في ظل الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط.

إن ضبط الحدود وعدم تركها للعشائر مهمة ضرورية جدًا. في ظل دعوات تنادي بالوحدة الوطنية، بينما تتعمق الانقسامات أكثر فأكثر.

*هذه المادة قد لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع.

Subscribe
Notify of
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة:

اشترك في نشرتنا الشهرية

تابعونا ليصلكم/ن كل جديد!

انضموا إلى قناتنا على الواتساب لنشارككم أبرز المقالات والتحقيقات بالإضافة الى فرص تدريبية معمقة في عالم الصحافة والإعلام.

هل تريد تجربة أفضل؟

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربة التصفح وتحليل حركة المرور وتقديم محتوى مخصص. يمكنك إدارة تفضيلاتك في أي وقت.

ملفات تعريف الارتباط الضرورية

ضرورية لعمل الموقع بشكل صحيح. لا يمكن تعطيلها.

ملفات تعريف الارتباط للتتبع

تُستخدم لمساعدتنا في تحسين تجربتك من خلال التحليلات والمحتوى المخصص.

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x