مهمتنا تبدأ وتمضي بكم/ ن

العنف ضد النساء: آفة اجتماعية أم اضطراب في الشخصية

اشترك في

النشرة البريدية الأسبوعية: 

تم الاشتراك في النشرة بنجاح تم حدوث خطأ غير متوقع

تبعنا علي

وسائل التواصل الاجتماعي

تم حفظ المقال في المفضلة
تم نسخ الرابط بنجاح!
الإثنين 27 نوفمبر 202312:43 م

ميسم فتاة تبلغ من العمر ٢٥ عاما، بعدما أكملت شهادتها الجامعية، تعرضت للتعنيف من قبل زوجها لكونها طلبت ألا تكتفي بخدمة زوجها وأولادها، وطالبت بالخروج للعمل، بسبب الضائقة المادية أولا وطموحها بالعمل ثانيا.

تقول ميسم:”تعرضت للعنف اللفظي في البداية، وثم انتقل الأمر ليصبح تهديد بمنعي زيارة عائلتي، بعد أن وضعني في عزلة اجتماعية مطبقة”. تطور الخلاف إلى حد إصدار الزوج شائعات مفادها أن زوجته تخالف قيم مجتمعها، وأنها تريد الخروج عن أطر السلوك المقبول داخله. هذه الذريعة بدأت تُصبِح السبب المعلن للمجتمع، أما الحقيقة فقد أشارت إلى أن هذه الممارسات بحقِ ميسمِ سببها سلوكيات مرضية صادرة عن شخص لديه اضطراب نفسي مدرج تحت عنوان “اضطراب الشخصية النرجسية“. استمرُ التمادي في التعنيفِ أقله اللفظي، واتهامها بالكذب، إلى أن وصل إلى حد اتهامها بالخيانةِ، مما وضعُ ميسم أمامَ أحد خيارين: إما البقاء وإمّا الانفصال.

يُفْتَرَضُ بنا البدء بطرحِ أسئلة مُعَقِّدَة فيما لو أرادَ الطرفين التوجه إلى المحاكم لحل هذه القضية.

فهل تأخذُ المحاكمُ بمؤشراتِ اضطرابِ الشخصيةِ النرجسيةِ لبناء قرارها ؟

إذا انطلق الزوج من ذريعة المحافظة على العادات والتقاليد الاجتماعية التي تقومُ بدورها بتحديدِ السلوكِ المقبولِ أو غير المقبولِ داخلَ المجتمعِ، وتندرج الأولى تحت عنوان الاعتياد على القيام بأمور اعتدنا القيام بها، وتندرج الثانية ضمن موروثات ثقافية ورثناها عن الآباء، تجدُ جذورَها في أساس نشأة تكوين هذا المجتمع، فإنه لأمر طبيعي أن تكونُ مخالفة هذه التقاليد والعاداتِ واقعةً تحت مجهر المحاسبةِ الاجتماعيةِ، إذا صحّ التعبير، كونها ترسمُ صورةَ هذا المجتمعِ وقيمه. ولما كان الأمر على هذه الحال، فإن هناك خطورة أن يقومُ البعض باستغلالِ ناحيةَ التمسك بالتقاليد والعادات تلك، كذريعة لتعنيف المرأةِ ومعاقبتِها.

ماذا تعني اضطرابات الشخصية النرجسية؟ وما الآثار أن تلحقها بالضحية؟

إنها نوع من الاضطرابات النفسيةِ تعرف “Narcissistic personality disorder” لا تقتصر فقط على الرجال لكنها تصيب الرجال أكثر من النساء ولو بنسبة أقل. ويتصف صاحبِها بشعوره بالأهميةِ المفرطة. إن صاحب هذه الشخصيةٌ مستغل، يَعْتَ نَفْسَهُ مركزًا لكلّ شيء، يَقْمَعُ الضحيةَ، ويمنعُها من التعبيرِ عن حاجاتِها، ويقوم بِتَعْنيفِها لفظيًا، “ويكون على شكل شتم الزوج لزوجته وإحراجها أمام الآخرين ونعتها بألفاظ بذيئة وعدم إبداء الاحترام والتقدير لها وإبداء الإعجاب بالأخريات والسخرية منها والصراخ عليها ” وما التعذيب النفسي الذي يصيب الضحية سوى وقود يَسْتَمده النرجسي المضطرب، إذا صح الوصف، ليتمادى أكثر في غيّه. وقد لا يقف عند هذا الحد، إذ قد يلجأ إلى التصعيدِ ممارسًا العُنْف الجسدي على الضحية لكي يحكم سيطرتَه عليها بالكاملِ.

ومثل هذا فإن الآثار التي سوفَ تظهر على الضحيةِ، إن لم تكن آثارًا جسدية، سوف تتمثلُ على الأقل بالاكتئابِ والقلقِ المستمرِ والتوترِ، دون أن يخفي على أحد أن تلكَ الآثار سَوْفَ يمتد أثرها ليطيل أسرتها بالكاملِ فيَنْعَدم الاستقرار داخلها.

ما هو المخرج الذي يتخذه النرجسي لإخفاء السبب الحقيقي للتعنيف؟

لا شك بأن النرجسي يشبع اكتفاؤه المرضي، باللجوء إلى لعب دور الضحيةِ، ويعْمَلُ في الوقت عينه على إلصاق التُّهَم التي هي من نسج خيالِهِ بالضحية التي تَعْكِسُ في الواقع صفات موجودة داخله، يحاول رميها على الآخرين. ولكي ينجو من فعلتِهِ تلك أي ادعاءاته الكاذبة، فإن أبسط الأُمورأمامَهُ، في ظل مجتمع متمسكٍ بالتقاليدِ، هو اتهام الضحيةِ بأنها تُخالفُ قيم وتقاليد المجتمع، مما يجعل من موضوع تبرئة المرأةِ وسط هذه الاتهامات، أمرُ مستحيل ويستتبع ذلك قلب الطاولة، بمعنى تحويل الضحية المعنفة إلى متهمة بارتكابِ أفعالٍ غير مقبولة اجتماعيًا.

ما هي الخيارات المتاحة أمامَ المرأةِ، وكيف نقرأها في ظل هذا الواقع؟

إن المرأة التي تتعرضُ للتعنيفِ، تجِدُ نفسَها أمامَ خياري الأوّل يتمثل بالانفصال عن هذا الزوج صاحب الشخصية النرجسية المضطربة، أما الثاني يتمثل ببقاء الضحية إلى جانب أُسْرتها رغمَ كلّ هذا التعذيب. وفي الحالتين تكون المرأةُ غير مدركة لحقيقة وقوعها أسيرة هذه الشخصية المريضة. أما قراءتنا لكلّ خيار من هذين الخيارين، فإنه يجعلنا نقول بأن الخيار الأوّل يحملُ في طياتِه نتائجَ سلبيةَ تتمثل بهدم الأُسرة وتشتيتها، وهو أمرٌ في غايةِ الخطورةِ. أما الخيار الثاني فهو بدوره يشيرُ إلى وجود نتائج خطيرة قد تفوقُ في خطورتها نتائج الخيار الأوّل لأن السكوت على هذا التعنيف سَوْفَ يشْعرُ النرجسي أن البيئة المغذية نرجسيته والحاضنة لها ما زالت قائمة، مما يعني التمادي في تحكمه بالضحية، ومن جديد، دون أن ننسى بأنه أصبح الآن بعد قلب الطاولةِ يملكُ سلاحَ العقوبةِ الاجتماعية للضحيةِ!

كيف يمكن البدء بإيجاد الحلول لهذه الإشكاليات المذكورة؟

يجب على الضحية أن تدرك تمامًا توفر وجود اضطراب الشخصيةِ النرجسيةِ، إذ ليس كلّ تسلط هوَ بالضرورةِ إشارة إلى وجودِ هذه الشخصيةِ. وفق ما أفادتنا به المتخصصة في علم النفس السيدة حكمت حسن حول هذه النقطة بالتحديد، فقد أشارت بالقول:”إن النرجسية مهمة للمحافظة على وجودنا وكياننا، ولكن عندما تتخطى حدود الأنا تصبح مؤذية ومتضمنة إساءة للآخرين، وتغدو اضطرابا”. وبعْدَ إدراك توفر شروط وجودها يُفْتَرَض بها أن تعي بأن الإشكالية هنا تكْمُن في خروجِها من دائرةِ القلقِ أو الاكتئاب والحيرةِ، وهي دائرة سلبية خلقها هذا المريض صاحب الاضطراب النفسي، ولا علاقة لها لناحية إيجادها رغمَ أنها تلقى نتائِجُها عندما تَتَعَرَّضُ للتعنيف، وفي هذا الإطار أضافت مدربة الحياة والتنمية الشخصية والمختصة في المعالجة بالتنويم المغناطيسي السريري السيدة عبير خضر أن هذه الدائرة لن تكون الوحيدة بمعنى أن دوائر الاستغلال للضحية سوف يتكرر حدوثها ٢٤ مرة.

وبالتالي، يجب أن تلجأ إلى مختصٍ بالأمراضِ النفسيةِ يكون موثوقًا، وذلك لأخذ استشارته بالنسبةِ لطرُق الوقاية من الأضرارِ التي تصيبُها من العنْفِ اللفظي الذي تتعرّض له، الذي يعد من أخطر أنواع العنف والطرق التي يُفْتَرَض اتباعُها لحماية نفْسِها وحماية عائلتِها بتأمينِ الصحةِ النفْسيةِ، وهي “حالة من الكمال الجسدي والنفسي والعافية الاجتماعية، وليست مجرد الخلو من المرض أو العجز.

ومن ناحية أخرى، يُفْتَرَضُ بنا البدء بطرحِ أسئلة مُعَقِّدَة فيما لو أرادَ الطرفين التوجه إلى المحاكم لحل هذه القضية. فهل تأخذُ المحاكمُ بمؤشراتِ اضطرابِ الشخصيةِ النرجسيةِ لبناء قرارها وبالتالي هل يتعيْن على المرأةِ إثبات الأمرُ رغمَ صعوبته، مما يدحض كلّ الإتهامات الموجهة ضدها وبالتالي هل يمكن أن ستحْكُم المحكمةُ بالتعويضِ عن الأضرارِ المعنويةِ التي لحقَتْ بالضحيةِ التي أدّت إلى إلغاء دورها الاجتماعي، بسبب وجود هذه الإتهاماتِ؟ وفي هذا الإطار تفيدنا المتخصصة في علم النفس السيدة حكمت حسن في موضوع وصول الزوجين إلى المحاكم حيث يكون الزوج مسلحا بالدفاع عن التقاليد، ولكن إدلائاته يمكنها أن تدل على مؤشرات اضطراب الشخصية النرجسية  حيث يمكن للطبيب النفسي التأكد من وجودها، ولعل أبرز هذه المؤشرات، تضيف حسن، يتمثل في تركيز النرجسي على الأنا ومحاولة تفسير الأمور لصالحه، وهي الأفعال الصحيحة. أما ما هو غير صحيح وغير جيد من الأفعال، فإنه  يقوم بإلصاقه بالضحية، ويبقى للطبيب النفسي القدرة على معرفة حقيقة هذه الشخْصية مهما كان القناع الذي يرتديه النرجسي محصنا. 

كلها أسئلة تستحق البحث والتنقيب عن إجاباتها على نحو مفصل، لكي تستطيع المرأة أن تلعب دورها داخل مجتمعها الصغير أي أسرتها وخارجه عبر المجتمع الأكبر الذي يجسد طموحاتها.

Subscribe
Notify of
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة:

اشترك في نشرتنا الشهرية

تابعونا ليصلكم/ن كل جديد!

انضموا إلى قناتنا على الواتساب لنشارككم أبرز المقالات والتحقيقات بالإضافة الى فرص تدريبية معمقة في عالم الصحافة والإعلام.

هل تريد تجربة أفضل؟

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربة التصفح وتحليل حركة المرور وتقديم محتوى مخصص. يمكنك إدارة تفضيلاتك في أي وقت.

ملفات تعريف الارتباط الضرورية

ضرورية لعمل الموقع بشكل صحيح. لا يمكن تعطيلها.

ملفات تعريف الارتباط للتتبع

تُستخدم لمساعدتنا في تحسين تجربتك من خلال التحليلات والمحتوى المخصص.

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x