مهمتنا تبدأ وتمضي بكم/ ن

لماذا غرق شاطئ صور في “المياه المبتذلة” رغم إنشاء محطة المعالجة بتمويل ضخم؟

اشترك في

النشرة البريدية الأسبوعية: 

تم الاشتراك في النشرة بنجاح تم حدوث خطأ غير متوقع

تبعنا علي

وسائل التواصل الاجتماعي

تم حفظ المقال في المفضلة
تم نسخ الرابط بنجاح!
الإثنين 22 يوليو 202411:28 م

تحقيق – الجزء الثاني

على الرغم من ضخ مليارات الدولارات من المساعدات والمنح والقروض على مدار أكثر من ثلاثة عقود، التي كان بإمكانها تحويل لبنان إلى “سويسرا الشرق”، وجعلها أول دولة صديقة للبيئة على البحر المتوسط، إلا أن قطاع الصرف الصحي يواجه كارثة حقيقية في ظل التوقف شبه التام لمعظم محطات المعالجة على كامل الأراضي اللبنانية، وقد تحولت الشواطئ إلى مصبات للمجارير، وأصبحت الأكثر تلوثًا في المنطقة، ويُعد شاطىء صور مثالا صارخا على هذه الكارثة البيئية.

يُثير هذا الوضع تساؤلات جوهرية حول مصير الأموال الضخمة التي خُصصت لإنشاء محطة معالجة المياه المبتذلة في صور، وأسباب توقف المحطة والتداعيات الكارثية جراء ذلك، وهو ما يجيب عنه المسؤولين وخبراء البيئة والنشطاء في هذا المجال لتوضيح الحقائق أمام الرأي العام.

مسؤول في بلدية صور: “تراجع قطاع الصرف الصحي من مكانته الرائدة إلى وضع كارثي“

وفي تصريحات لمنصة “صلة وصل”، أكد مصدر مسؤول من بلدية صور أن الدولة اللبنانية كانت في حقبة الستينيات رائدة في مجال معالجة مياه الصرف الصحي، بوجود محطات مثل حمانا ومرجعيون، التي كانت تعد نموذجًا للتجربة اللبنانية في هذا المجال، وتفوقت على الدول الأوروبية في ذلك الحين، إلا أنها توقفت، بسبب الحرب الأهلية في السبعينيات وانهيار الدولة.

وأوضح هذا المصدر المسؤول أن محطة معالجة المياه المبتذلة الواقعة على شاطىء البقبوق في منطقة العباسية شمال صور، والتي تعتمد على التكرير الثانوي، مُوِّلت بمبلغ 45 مليون يورو من بنك الاستثمار الأوروبي “EIB، إلى جانب تمويل إضافي من قبل الوكالة الفرنسية للتنمية في إطار مشروع الإرث الثقافي داخل مدينة صور، موضحا أن وكالة التنمية الفرنسية كانت تُمول مشروع الإرث الثقافي داخل منطقة الحارات القديمة والمواقع التراثية، وبناء على ذلك، تولى مشروع الإرث الثقافي بحكم العمل في هذه المناطق عملية إنشاء خطوط المجارير التي تصب في محطة المعالجة، بينما يُمول بنك الاستثمار الأوروبي أعمال الإنشاء خارج هذه المناطق، لتجنب الازدواجية في الأعمال، مؤكدا وجود تنسيق وتعاون بين الجهتين لتفادي هدر الأموال.

كما أشار إلى أن تكلفة إنشاء الشبكة كانت ضمن المبلغ الإجمالي لإنشاء محطة المعالجة، بالإضافة إلى تكلفة التشغيل لمدة نحو خمس سنوات، ولا تشمل تكلفة ضخ المياه والرفع وتكلفة صيانة الشبكات، حيث تقع هذه الأعمال على عاتق وزارة الموارد المائية والكهربائية.

وأفاد المسؤول في البلدية أن المحطة أُنْشِئت لخدمة مدينة صور والمناطق المحيطة بها، حيث كان المخطط لمشروع المحطة ينقسم إلى مرحلتين، إلا أنما تم هو المرحلة الأولى فقط (أي نصف المشروع)، ولم يتم مد الشبكات لكامل القضاء، مضيفا أن المرحلة الأولى شملت بلديات من البرغلية بعد نهر الليطاني شمال المحطة والعباسية وبرج رحال والمنطقة الساحلية وجنوب شرق صور ومنطقة الحوش، وهي ضاحية من ضواحي صور، ولا تخضع لبلدية صور ومنطقة جل البحر عند مدخل صور، باستثناء منطقة قدموس الضاحية السكنية شمال مدينة صور حيث لا تشملها الشبكة.

وأوضح أن محطة المعالجة بصور، كما أي محطة متكاملة، تشمل ثلاث مراحل: الأولى تتعلق بالشبكات ومحطات الرفع التي تقوم بجمع وضخ المياه إلى المحطة، الثانية تختص بمركز المعالجة، بينما تتضمن الثالثة أنابيب تصريف المياه المعالجة” “outfall التي تنقل المياه المُعالجة ثانويًا إلى الأراضي لاستخدامها في الري، أو إلى البحر إذا لم تستعمل في الزراعة.

واستطرد المسؤول قائلا إن مشروع محطة معالجة المياه المبتذلة بصور يتضمن محطات رفع Lift Stations، حيث إنه نظرًا للطوبوغرافية الخاصة بالمنطقة تكون المياه العادمة بحاجة إلى رفعها إلى مستوى أعلى لمواصلة التدفق بالجاذبية نحو محطة التكرير، إلى جانب محطات ضخ المياه المُعالجة Pump Stations، إلا أن هذه المحطات بنوعيها متوقفة عن العمل، بسبب أزمة الكهرباء الناجمة عن تردي الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، ومن ثَم تتجمع مياه الصرف الصحي بكميات قد تتجاوز القدرة الاستيعابية للمعالجة، مما يسبب فيضانات “”overflow، ويؤدي إلى تدفق المياه خارج أحواض المعالجة (bypass) دون أن تخضع لعمليات المعالجة المعتادة، وتتجه نحو أقرب مجرى مياه، سواء كان بحرًا أو مجرى شتويًا، وينتهي بها الأمر في البحر في النهاية.

وأشار إلى أن المحطة تضم وحدة توليد كهرباء من الحمأة “sludge “، ولكن هذه الوحدة تؤمن قسم من الطاقة اللازمة لتشغيل وحدة المعالجة فقط، ولا تغطي وحدات الضخ المتوقفة بالكامل، ومنها على سبيل المثال لا الحصر محطة الضخ الرئيسة في صور، ومحطة أخرى في جنوب صور بعد مخيم الراشدية.

ردم شاطىء منطقة الجمل

وفيما يتعلق بمنطقة الجمل، أوضح المصدر أنها تشمل 7 خيام، وتعاني  مشكلات بالحمامات والمجاري والمطهرات التي تصب في البحر، بسبب منسوبها المنخفض ، ولا يوجد مجال للتوصيل بالشبكة العامة، مما يترتب عليه تلوث كبير، مشيرا إلى المشروع الذي يستهدف تنظيم تلك الخيام وإنشائها بأشكال صديقة للبيئة، ورفع منسوب المنطقة لعمل خزانات بلاستيكية تحت الأرض، ومعهم محطات ضخ، نافيا أية ادعاءات بردم الشاطئ في هذه المنطقة لأنها تعد منطقة أثرية، والموقع المجاور لها مصنف ضمن المواقع الأثرية باليونيسكو.

المهندس والناشط البيئي،بلال شعبان:” الفساد جعل من أزمة الصرف الصحي منفعة لجيوب المحظيين”

من جانبه، قال المهندس بلال شعبان، الناشط البيئي، إن الأزمة البيئية التي يعانيها  لبنان سببها الفساد المستشري في البلد، والذي جعل من هذه الأزمة منفعة لجيوب المحظيين، فهناك كارثة بيئية على مستوى الصرف الصحي نتيجة أن معظم محطات معالجة المياه المبتذلة في لبنان بدءا من الناقورة على حدود فلسطين المحتلة وصولا إلى نهر الشمال على حدود سوريا تعاني من مشكلات وتوقف شبه تام عن العمل، والمحطات التي تعمل تكون بطاقة لا تزيد عن 20% لينتهي الأمر بمياه الصرف الصحي في البحر مباشرة، وذلك على الرغم من تمويل عدة جهات دولية لوزارة الطاقة والمياه لصيانة تلك المحطات.


كما أوضح أن المشكلة تفاقمت، بسبب تجمع النازحين السوريين الموجودين في محيط الأنهار وإلقائهم للنفايات، مما حول مجاري الأنهار إلى مرتع للحشرات، مضيفا أنه في غضون سبع سنوات زاد عدد اللاجئين السوريين ليصل إلى مليوني سوري، مما أدى إلى زيادة هائلة في الضغط على البنية التحتية، خاصة شبكات الصرف الصحي، وفي ظل الأزمة الاقتصادية لم تستطع الدولة تطويرها ومد شبكات الصرف لجميع الأنحاء، فتضطر الشاحنات إلى سحب المياه المبتذلة من البرك، خاصة وأن بعض القرى لا تزال تلقي النفايات في حفر بمحاذاة المنازل.

أسباب رئيسة وراء تعطل محطات معالجة المياه المبتذلة

وأشار الناشط البيئي إلى جود ثلاثة أسباب رئيسة وراء توقف محطات المعالجة، أولها مشكلة انقطاع التيار الكهربائي، حيث تحتاج محطات الضخ التابعة لوزارة الطاقة والمياه إلى تغذية مستمرة بالكهرباء من قبل الدولة، فتراجع التغذية الكهربائية أثر إلى حد بعيد على عمل هذه المحطات، مضيفا أنه منذ عامين بدأت تُطرح بعض الحلول مثل استخدام مصادر الطاقة البديلة كالألواح الشمسية، إلا أنه لم يتم تركيبها بعد.
والسبب الثاني لهذا التوقف يتمثل في تراجع عمليات الصيانة إلى حد بعيد، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد منذ 2019، حيث تحتاج المحطات إلى صيانة دائمة وتغيير قطع المعدات. أما السبب الثالث فيرجع إلى غياب اليد العاملة من موظفين وفنيين عن العمل في هذه المحطات.

التغير المناخي فاقم من مشكلة الصرف الصحي

كما أشار المهندس شعبان إلى مشكلة اختلاط مياه تصريف الأمطار مع مياه الصرف الصحي في مدينة صور، وفي بيروت وصيدا وعدة مدن لبنانية أخرى، موضحا أن موسم الشتاء في لبنان يشهد فيضانات، ومع قرب الساحل من الجبل، فإن كمية الأمطار التي تهطل على الجبل تكون غزيرة لدرجة أن قنوات تصريف مياه الأمطار لا تستطيع استيعاب هذه الكميات، مما يؤدي إلى انتقالها لشبكة الصرف الصحي واختلاطها بالمياه المبتذلة، خاصة في الآونة الأخيرة نتيجة التغير المناخي الذي تسبب في قلة الثلوج وزيادة الأمطار.

بلال شعبان:” المسابح الخاصة أصبحت بديلا عن الشواطئ اللبنانية الملوثة”

أضاف أن البحر لدولة مثل لبنان يمثل الرئة التي يتنفس منها، فلبنان بلد اقتصاده قائم على السياحة، وفي ظل هذا التلوث المائي الكبير لم تعد الشواطئ التي تبلغ مساحتها نحو 220 كيلومترا ملاذًا للأفراد، بل أصبحت المسابح الخاصة هي التي تجذبهم، مشيرا إلى إجراء فحص لمياه البحر في عدة إمكان، وتبين بالفعل حجم التلوث بمحيط محطات المعالجة، مما يسبب أيضا تضررا كبير الثروة السمكية.
بلال شعبان يناشد بربط محطات معالجة المياه المبتذلة بخط خدمات الكهرباء.

وأخيرا، ناشد المهندس بلال شعبان إعادة تشغيل المحطات وربطها بخط خدمات الكهرباء الذي يوفر 18 ساعة في اليوم من قبل مؤسسة كهرباء لبنان مثلما يتم تخصيصه لوزارات الدولة ومحطات ضخ مياه الشفة، حتى تعمل المحطات بكامل طاقتها، وتقلل من الضرر الناجم عن توقفها.

ناشط بيئي: “الاتحاد الأوروبي يضح تمويلات لإقامة أعمال خيرية في الدول النامية بهدف تبيض الأموال والتهرب من الضرائب“

هذا وقد صرح ناشط بيئي رفض الإفصاح عن اسمه، بأن هناك ملف فساد ضخم يتعلق بأزمة الصرف الصحي في لبنان تشارك فيه السلطة، لأنها لا ترغب في وضع حلول جادة لهذه للأزمات البيئية المتفاقمة، لأن حل الأزمات سيوقف تدفق التمويل من الخارج، ولذلك تتوقف الأرباح! وأفاد بأن الاتحاد الأوروبي مشارك في هذا الفساد ومتواطئ مع القادة السياسيين، إذ من غير المنطقي أن يتم ضخ تمويلات ضخمة للدولة اللبنانية دون إجراء متابعة وتقييم لهذه المشروعات.

كما أضاف الناشط البيئي أن الاتحاد الأوروبي يضخ تمويلات لإقامة أعمال خيرية في الدول النامية بهدف تبيض الأموال والتهرب من الضرائب، وليس لتحقيق أهداف بيئية مزعومة. وبشأن التمويل المقدم من الجهات الدولية للتغاضي عن ملف اللاجئين، أوضح أنه يتعلق بوزارة التعليم، وليس بقطاع الصرف الصحي في البلاد.

وقال أيضا الناشط البيئي إن أزمة النفايات فاقمت من مشكلة الصرف الصحي، حيث إن السوائل الناتجة عن النفايات تتسرب إلى الأنهار والبحر، مضيفا أنه يمكن حل هذه الأزمة من خلال فرض رسوم رمزية على سكان مدينة صور أو غيرها مقابل خدمات معالجة المياه المبتذلة، ويمكن تركيب ألواح شمسية لتوفير الكهرباء لتشغيل المحطات، كما يمكن أيضا إنشاء خزانات لتنفيذ عملية “الهضم اللاهوائي ” digestive لتحليل المواد العضوية الموجودة في مياه الصرف الصحي وإنتاج غاز الميثان، الذي يمكن استخدامه في توليد الكهرباء وتشغيل محطات تكرير المياه المبتذلة، إلى جانب إنتاج سماد عضوي لمعالجة المزروعات والحد من استخدام الأسمدة الكيماوية وتحسين المنتجات الزراعية.

د/ميلاد فخري: “توقف محطة الصرف الصحي في صور تسبب في ظهور أمراض جلدية ومعوية كثيرة“

ومن جانبه قال الدكتور ميلاد فخري، مدير المركز الوطني لعلوم البحار، إن توقف محطة الصرف الصحي في صور أثر إلى حد بعيد على نوعية المياه، حيث زادت نسبة البكتيريا البرازية، وظهرت أمراض جلدية ومعوية. ونصح الصيادين بتجنب صيد الأسماك في المناطق الملوثة على الأقل لمسافة 100 متر، موضحا أن ضمان معالجة مياه الصرف الصحي يقلل من أخطار انتشار الأمراض المنقولة بالمياه، ويحمي صحة ورفات المواطنين.

د/ميلاد فخري:” أنصح الصيادين بتجنب صيد الأسماك في المناطق الملوثة على الأقل لمسافة 100 متر”

ويبدو أن مشروع تشغيل 11 محطة رئيسة لمعالجة مياه الصرف الصحي في جميع أنحاء لبنان الذي أُطلق في 5 حزيران 2023، بتمويل من الاتحاد الأوروبي وتنفيذ من اليونيسف بالشراكة مع وزارتي الطاقة والمياه والبيئة، مثل آلاف المشاريع التي لا تعدو أن تكون حبراً على ورق ومجرد دعايات إعلامية لتحسين صورة المسؤولين في الدولة!

وأخيرا تظل التساؤلات قائمة، إلى متى ستبقى محطات معالجة المياه المبتذلة متوقفة في لبنان؟ وما مصير محطة المعالجة بقضاء صور؟ وإلى متى ستستمر معاناة الأهالي هناك؟ وهل مبلغ الـ45 مليون يورو غير كاف لتأمين الكهرباء للمحطة حتى لا تتوقف؟ وهل سيُصغي المسؤولون إلى نداءات أهالي صور، أم ستبقى هذه الكارثة المُخيفة دون حل؟

لا توجد وسوم لهذه المقالة.
Subscribe
Notify of
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة:

اشترك في نشرتنا الشهرية

تابعونا ليصلكم/ن كل جديد!

انضموا إلى قناتنا على الواتساب لنشارككم أبرز المقالات والتحقيقات بالإضافة الى فرص تدريبية معمقة في عالم الصحافة والإعلام.

هل تريد تجربة أفضل؟

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربة التصفح وتحليل حركة المرور وتقديم محتوى مخصص. يمكنك إدارة تفضيلاتك في أي وقت.

ملفات تعريف الارتباط الضرورية

ضرورية لعمل الموقع بشكل صحيح. لا يمكن تعطيلها.

ملفات تعريف الارتباط للتتبع

تُستخدم لمساعدتنا في تحسين تجربتك من خلال التحليلات والمحتوى المخصص.

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x