ووفقا لبيانات البنك الدولي عن النفايات الصلبة فى لبنان، فإن نسبة النفايات العضوية تُشكل من 69% إلى 72% من إجمالي النفايات، ونسبة الورق والكرتون تُشكل نحو 5%، والبلاستيك من 11% حتى 14%، ، والمعادن 4%، والمواد الأخرى (نسيج – خشب -متفرقات) تتراوح ما بين 3% إلى 11%.
وهنا نشير إلى أنه نتيجة الأزمة المالية التى يشهدها لبنان، تغيرت عادات وتوجهات المواطنيين فى الاستهلاك، ما أدى إلى تغير كبير فى تركيبة النفايات. وبالمقارنة مع السنوات التى سبقت عام 2019، فإن العديد من الأفراد ينفقون جزءا كبيرا من دخلهم على السلع الحيوية كالطعام، مما أدى إلى إنتاج نسبة أعلى من النفايات العضوية، مقابل نسبة أدنى من المنتجات المعلبة الباهظة الثمن، ومن ثَم ارتفعت نسبة النفايات العضوية من حوالي 50% فى عام 2017 إلى حوالي 70% عام 2021.
وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن نسب إنتاج النفايات الصلبة فى لبنان بلغت حوالي 5600 طن يوميا، وتم تقدير كلفة معالجة النفايات بـ35 دولارا للطن وللتخلص من النفايات بـ15دولارا للطن.
99% من نفايات لبنان تنتهي في المطامر والمكبات العشوائية
كما أفادت الدراسة أنه يوجد حاليا حوالي 50 منشأة فرز موزعة في جميع أنحاء لبنان، إلا أن العديد منها لا يعمل بكفاءة أو أنه لم يتم تشغيله تماما. وبحسب بيانات البنك الدولي، فإن الجزء الأكبر من البنى التحتية لمعالجة النفايات قد توقفت عن العمل، وحاليا تتم معالجة 8% فقط من النفايات المنتجة فى منشآت معالجة النفايات القائمة. بالإضافة إلى ذلك، يتم التخلص من 99% من مجموع النفايات الصلبة المنتجة فى مطامر صحية أو فى مكبات عشوائية، مقارنة بحوالي 77% فى عام 2018، وارتفعت نسبة التخلص فى المكبات العشوائية من 22% عام 2018 إلى 42% عام 2022.
لبنان يُطبق أسوأ خيارات إدارة النفايات
بناء على ذلك، واستنادا إلى “دليل الإرشاد لإدارة متكاملة للنفايات الصلبة فى لبنان” الذي يُشير إلى “هرمية النفايات” وتصنف خيارات إدارة النفايات الصلبة حسب أولويتها، فإن ممارسات إدارة النفايات فى لبنان تُطبق أسوأ خيارين، وهما الطمر والحرق، مما يشكل خطرا كارثيا على البيئة والصحة العامة نتيجة التلوث البيئي وانتشار الحشرات والأمراض، وإهدار الموارد الثمينة التى كان من الممكن إعادة تدويرها.

هذا ويتنشر قرابة 1200 مكب عشوائي في كل المحافظات والأقضية فى لبنان، و80 % منهم يتم حرقهم ، حسبما صرح فضل الله حسونة، مؤسس ورئيس جمعية التنمية للإنسان والبيئة، فى مؤتمر “التحديات البيئية في النبطية وآفاق الحلول”.
مخصصات تمويل قطاع النفايات
أفادت تقارير مجلس الإنماء والإعمار، فإن إجمالي قيمة العقود فى قطاع النفايات الصلبة من 1992 حتى 2024 بلغت 4.735 مليار دولار، منهم 2.665 مليار دولار عقود منجزة، بينما نحو 2.1 مليار دولار قيد الإنجاز.
وبحسب تقرير البنك الدولي بعنوان “خارطة طريق إدارة النفايات الصلبة فى لبنان للسنوات 2023-2026” الصادر فى حزيران 2023، يُخطط لتمويل 12 مشروعا رئيسيا لدعم قطاع النفايات الصلبة فى لبنان خلال الفترة من 2022-2028، بإجمالي 108 مليون دولار تمويل من قبل جهات مانحة دولية متعددة، تشمل البنك الدولي، وألمانيا، والاتحاد الاوروبي، والصندوق الكويتي، وصندوق التنمية الإنمائي، والوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
ومما لاشك فيه أن هذه المبالغ والتمويلات التى تم تخصصيها لمعالجة أزمة النفايات فى لبنان طائلة كان بإمكانها أن تنقذ لبنان من كارثة بيئية، وأن تضع حل جذري للأزمة، وتحول لبنان إلى نموذج رائد فى الاستدامة البيئية، لكن للأسف حدث العكس، وحاليا تعتبر لبنان واحدة من أكثر الدول معاناة من الأزمات البيئية والتلوث حسب مؤشرات الأداء البيئي العالمية.
أزمة النفايات فى قضاء النبطية وبلداتها
تئن قرى قضاء النبطية تحت وطأة أزمة نفايات خانقة في ظل غياب معمل الفرز الوحيد فى وادي الكفور، والذي توقف عن العمل منذ 2016 ، حيث تنتج قرى النبطية حوالى 560 طنّاً من النفايات يومياً، تُنقل بدورها إلى 26 مكبّاً عشوائياً لا تتوفر فيه الشروط البيئية والصحية وتنتشرة فى أرجاء المنطقة، وتنتشر الشاحنات المحملة بالنفايات من مختلف المناطق التى تلقي حمولتها بطريقة عشوائية وتضرم فيها النيران من دون حسيب أو رقيب، مما يترتب عليه تصاعد سحب الدخان الكثيفة مغطية أجواء المنطقة، فضلا عن تحول المكبات إلى مرتفع لأنواع مختلفة من الحشرات والحيوانات، والطيور الجارحة، فضلاً عن عن انتشار الروائح الكريهة لمسافات بعيدة وتشويه جمال المناظر الطبيعية بها.
أزمة معمل الكفور: جهات حزبية وبلدية ومتعهدون يستفيدون من تكدس النفايات
تكشف معلومات من مصادر أهلية عن وجود مخطط متعمد وراء أزمة إغلاق معمل الكفور، يقف وراءه جهات حزبية ومسؤولون محليون، بالإضافة إلى متعهدي النفايات، وذلك بهدف إبقاء أزمة تكدس النفايات قائمة، مما يُتيح المجال لجهات مستفيدة من رمي النفايات في مكبات عشوائية دون معالجة، لتحقيق مكاسب مالية هائلة، حيث إنهم يسعون جاهدين للحفاظ على استمرار الأزمة دون حلول جذرية، مما يُتيح لهم الاستفادة من “الكعكة الكريهة” التي تُدرّ أرباحًا طائلة من خلال تراكم النفايات.
وتشير المعلومات من قبل مصادر بلدية إلى أن الاتحاد الأوروبي رصد مبلغاً مالياً لإقامة الطمر الصحي، منذ أكثر من عشر سنوات، وكان يفترض باتحاد بلديات النبطية – الشقيف أن يجد مساحة عقارية لإنشاء الطمر الصحي عليها، غير أنه فشل، رغم كل المساحات الشاسعة المتوافرة في المنطقة.
وصرح المهندس البيئي مروان فخر لغربال، أنه كان هناك طرح لإقامة مطمر لكن لم تقبل اي بلدية باقامة المطمر بأرضها، رغم معلومات تفيد بأنه تم عرض دفع مبالغ زيادة على الطن لتذهب الى الصندوق البلدي لكن المشكلة كانت برفض إقامة أي مطمر عند أي بلدية وهذه مشكلة مشتركة في كل المناطق.
ويضيف:”المكبات الموجودة في الجنوب أغلبها مشاعات تابعة للبلديات ويأخذون ثمن الطن من البلديات أخرى عندما يكون هناك نفايات تأخذ منها، لكن المكبات أغلبها عامة غير خاصة وواجهنا صعوبة معرفة مكانها في ظل التكتم حوله”.
تراكم النفايات اذا لا يدر عليهم اموال بل يوفر عليهم كلفة تشغيل المعمل، لأن كلفة تشغيل المعمل اليوم تساوي 25 أو 30 دولار تقريبا، بينما التخلص من النفايات او الطمر المباشر يكلف حوالي 15$.
ويشير فخر الى أن المعمل بدأ تشييده في العام 2010 ولم يكن يكفي لتغطية كل اتحاد بلديات الشقيف. والمشكلة الاساسية تكمن بتلزيم معامل لا تكفي لسد الحاجة والقدرة التشغيلية لها وليس لها مصادر تمويل، كما إن قدرة تشغيل معمل الكفور كانت تستوعب حوالي 70 طن باليوم وهذه الكمية لم تكن تكفي لكل نفايات المنطقة.
وتشير بعض المصادر التي رفضت ذكر اسمها، ان المشغل يتبع لجهة حزبية وهي حزب الله بينما عملية جمع النفايات مستلمة من قبل جهة تابعة لحركة أمل وقتها.
وفي البحث حول الجهة المسؤولة عن اخذ المناقصة تبين ان شركة معمار من اخذتها في العام 2019.
هذا وقد أعلن وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين خلال لقاء موسع عقد في إتحاد بلديات الشقيف النبطية جنوب لبنان فى فبراير الماضي أن “إيجاد حل جذري للازمة يقضي بإعادة صيانة وتشغيل معمل فرز النفايات في وداي الكفور، وإقامة مطمر صحي للعوادم في بلدة دير الزهراني، ويجري العمل حاليا على نقل وصاية معامل الفرز في لبنان من وزارة التنمية الإدارية إلى وزارة البيئة والذي هو مكانها الصحيح”. كما أضاف قائلا: “بهذا الانتقال التدريجي سنسعى إلى دعم اتحادات البلديات في المنطقة لتعمل بشكل صحيح ومتكامل من نقل وجمع وفرز ومعالجة النفايات وصولا إلى الطمر الصحي الذي يجب أن يتم بمعايير عالية”.
أوضح خبير بيئي رفض الكشف عن اسمه أن أزمة النفايات في لبنان ليست حديثة العهد، بل هي نتيجة تراكم سنوات من الإهمال والفساد. وأضاف: “مشروع معالجة النفايات كان ضخمًا وتم تخصيص مليارات الدولارات له، إلا أن الفساد المتجذر في المؤسسات والمتعهدين عرقل تنفيذ هذه المشاريع وسرقة مبالغ ضخمة منها. النتيجة هي دمار بيئي وتلوث صحي هائل يعاني منه المواطن اللبناني اليوم”.
وتابع الخبير قائلاً: “لو تم استخدام الأموال الطائلة التي مُنحت للبنان بالشكل الصحيح، لكنا اليوم في مصاف الدول النموذجية في إدارة النفايات. بدلاً من ذلك، نجد أنفسنا أمام أزمة تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، مع انتشار المكبات العشوائية وحرق النفايات، ما يؤدي إلى انبعاث غازات سامة وتلوث التربة والمياه”.
وأشار إلى أن الأزمة تُدار بفعل مصالح ضيقة واستغلال سياسي واقتصادي من قبل بعض الجهات، مؤكداً أن الحلول الجذرية تتطلب إرادة سياسية حقيقية ومحاسبة صارمة للمسؤولين عن الفساد. “نحن بحاجة إلى خطة وطنية شاملة لإدارة النفايات تتضمن تشغيل المعامل بكفاءة، وإعادة تدوير النفايات، والطمر الصحي السليم. فقط بهذه الطريقة يمكننا حماية بيئتنا وصحة مواطنينا”، ختم الخبير تصريحه.
مخاطر الرمي العشوائي للنفايات
يُشكل الرمي العشوائي للنفايات مشكلة خطرة على الصحة العامة والبيئة نظرا لتحرر ملوثات خطرة مثل:
-الترشحات السائلة التى تلوث التربة والمياه السطحية والجوفية والبحر.
-الغازات السامة والروائح الكريهة.
-الدخان من النفايات المحترقة.
-الطفيليات وأمراض أخرى.
-النفايات المبعثرة بالرياح
أزمة النفايات في الكفور إذا، ناتجة عن استفادة جهات حزبية وبلدية ومتعهدي النفايات من الوضع القائم حسب تصريح لجهة في أحدى البلديات المعنية، حيث يجنون أرباحًا طائلة من خلال الرمي العشوائي للنفايات لتقليل تكاليف تشغيل المعامل. ورغم تخصيص 4.8 مليار دولار للمشاريع البيئية، تستمر الأزمة بسبب الفساد المحكم والتغطية السياسية. التنافس بين الأحزاب يتمحور حول تقاسم الحصص المالية أو التعطيل غير المكترث لأي حلول عندما تتعثر المفاوضات لخلافتهم الداخلية، ما يعطل الحلول الجذرية. كما أن المعمل الحالي لا يفي باحتياجات المنطقة، مما يؤدي إلى استمرار المشكلة ويحول دون تحسين إدارة النفايات، ما يزيد من تفاقم الأزمة البيئية والصحية.