ابن الجنوب يعيش معاناة الحرب مرّتين
يعيش أحمد صولي ابن مدينة صيدا – وهو شاب ثلاثيني يعمل في مجال المحاسبة- آثار الحرب المستمرة مرّتين، الأولى بسبب الأزمة المالية وفقدانه منزله جرّاء العدوان الإسرائيلي، والثانية أنه أصبح شخص من ذوي الاحتياجات الخاصّة بعد أن بُتِرت إحدى ساقيه بسبب انفجار قنبلة غير منفجرة في أثناء النزاع.
يقول: “أعيش مع والدي المريض بالسكري، كنت أعمل سائقًا لأؤمن له الدواء والطعام. أما اليوم وبعد أن خسرتُ ساقي، خسرت معها عملي ورزقي وصحّتي النفسية أيضًا، وبدأ أبي يشعر بالذنب وكأنه السبب. وعلى الرغم من أنّ المنطقة شهدت بعض التحسينات، إلا أنّ الطرق ما زالت غير مؤهلة لذوي الإعاقة، والوضع الأمني الصّعب لا يساعدنا في الاستفادة من الخدمات الصحية. وصحيح أنّ هناك بعض الجمعيات الإنسانية التي رأفت بوضعنا، إلا أنه من الضروري توفير مستشفيات أو مراكز علاجية مجهزة للأشخاص ذوي الإعاقة ودعمهم في العثور على فرص عمل تناسب حالتهم الصحية.
اللافت في مجتمعاتنا، أنّ الوعي حول حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة مفقود إلى حدٍ ما، فما بالكم إذا أردنا أن نسلّط الضوء على واقعهم المرير في مرحلة ما بعد الحرب؟
فعلى الرّغم من وجود بعض المنظمات الإنسانية التي تدخّلت للمساعدة خلال الحرب، إلّا أنّ عمليات الإغاثة كانت محدودة في الوصول إلى الأشخاص ذوي الإعاقة في جنوب لبنان، إضافة إلى ذلك، تزايدت حالات الإعاقة خلال الحرب، وأصيب العشرات من عناصر الجيش اللبناني حوالي 50 عنصرًا بحسب المصادر. إضافة إلى العشرات من المدنيين نتيجة الشظايا والدمار الذي سببته الهجمات الإسرائيلية، كما أدت تفجيرات البيجرز والتي أصابت حوالي 2570 ألف عنصر من عناصر حزب الله بأجهزة الاتصال اللاسلكي بحسب موقع الجزيرة نت إلى ارتفاع عدد المصابين بالإعاقة، ناهيك عن مقتل 12 شخصًا من بينهم طفلان.
تزايدت حالات الإعاقة خلال الحرب، وأصيب العشرات من عناصر الجيش اللبناني حوالي 50 عنصرًا
فكيف أثرت الحرب والأزمة الاقتصادية على هذه الفئة مقارنة بغيرها؟ وما هي التّحديات التي واجهها هؤلاء الأشخاص؟
في هذا الإطار، يوضّح إبراهيم عبد الله، مؤسس مجموعة task force التي تعنى بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والخاصّة بحالات الطوارئ، والتي تضم حوالي 30 منظمة محلية ودولية، وتم تأسيسها بعد أربعة أيام من اندلاع الحرب الشاملة، أنهم عملوا في مناطق النزوح من خلال التعاون مع الجمعيات التي كانت تقدّم مساعدات للأشخاص ذوي الإعاقة. وأشار إبراهيم إلى أنّه تم مساعدة 1200 إلى 1300 حالة، موضحًا أنّه من المهم معرفة الأرقام بالدقة المطلوبة عندما يتم عقد اجتماع لمعظم من عمل في هذه الجمعيات.
وكشف عن أبرز التحديات التي يواجهونها كغياب مراكز الإيواء للأشخاص ذوي الإعاقة، والبنية التحتية غير الملائمة مثل الرصيف الذي غالبًا ما يكون غير مهيأ لمستخدمي الكراسي المتحركة، إضافة إلى المنشآت العامة غير المجهزة مثل المصاعد والأبواب.
أمّا بالنسبة للأشخاص المكفوفين، فقد واجهوا صعوبة في معرفة أين يُقدّم الطّعام ومكان الحمامات، لذلك كانوا دائمًا بحاجة إلى مرافقين، بالإضافة إلى عدم وجود الأجهزة المساعدة بسبب نزوح الناس من الحرب من دون أن يجلبوا معهم أجهزتهم الخاصة، لذلك يقول: “كنا ملزمين بتأمينها،إضافة إلى مشكلة الأدوية المفقودة من جهة، والمرتفعة الأسعار من جهة أخرى”
ولفت إلى أنّ المشكلة الأكبر كانت بنقل الأشخاص من الجنوب والبقاع إلى بيروت، والتي كانت صعبة جدًا رغم جهود الصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني.
أما الأضرار الاقتصادية، فقد استهدفت بشكل مباشر الأشخاص ذوي الإعاقة، لأنه من الصعب جدًا استبدال وظائفهم بوظيفة أخرى كغالبية الناس.
بالإضافة إلى نظام المساعدة الاجتماعية التي كانت تنفذه وزارة الشؤون الاجتماعية، والذي تم تعطيله، وأيضًا تأثر واقعهم المرير بقيمة العملة الوطنية وبقيمة راتبهم.
وعن أضرار النزوح، لفت إلى أنّ الأماكن كانت غير مؤهلة لاستقبالهم، لأنّ مراكز الإيواء لم تكن أبدًا صالحة لاستقبال الأشخاص ذوي الإعاقة، ما دفعهم لاستئجار شقق سكنية باهظة الثمن، أو اللجوء لدى أقاربهم.
وأكّد أنّ الأزمة الاقتصادية زادت أوضاعهم سوءًا لأنها في الأساس لم تكن جيّدة، لاسيّما بعد أن زادت نسبة البطالة، وبعد أن خسر الكثير منهم قسمًا من ودائعه.
لذلك قدمتTask force العديد من الخدمات وما زالت تقدم على صعيد الأجهزة، وتأمين الأدوية، وتأمين مراكز صالحة للسكن، إضافة إلى جلسات الدعم النفسي والاجتماعي.
وعلى صعيد الدولة اللبنانية، فقد قدّمت مئة دولار لكل شخص من ذوي الإعاقة، وبدل نقدي 40 دولارًا شهريًا للأشخاص ما دون الـ30 عامًا، ليشمل لاحقًا جميع الفئات العمرية.
إنّ لجنة الطوارئ لم تأخذ بعين الاعتبار وضع الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان، ولا حول كيفية تلبية احتياجاتهم خلال الطوارئ
وأكّدت د.عتاب شعيب، وهي أكاديمية وباحثة في التصميم الجامع inclusive design والإعاقة والدمج في مركز الدراسات اللبنانية و باحثة زائرة في قسم الهندسة في جامعة كامبردج، أنّ لجنة الطوارئ لم تأخذ بعين الاعتبار وضع الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان، ولا حول كيفية تلبية احتياجاتهم خلال الطوارئ، لذلك قمنا مع إبراهيم بمبادرة جمع الجمعيات التي تعنى بمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان محليًا و دوليًا واليوم بعد تقييم فترة الحرب، طرحنا خطة عمل للدولة اللبنانية للتعافي وللأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الأساسية للأشخاص ذوي الإعاقة.
ماذا لو كانت سبب الإعاقة تفجيرات البيجر؟
لفتت د.شعيب إلى أنّ المشكلة الأساسية التي يجب أن يُسَلط عليها الضوء هي عدم استقبال المستشفيات العديد من الأشخاص الذين فقدوا بصرهم وأعضاءهم بسبب تفجيرات البيجرز، لذلك تأثّرت الخدمات سلبًا بسبب خلط أوراق السياسة والطائفية في لبنان بالقضايا الإنسانية، وأكّدت أن حوالي الـ 4000 شخص صاروا معوقين نتيجة هذه التفجيرات.