بمجرد دخولك بيت ليلى سويف، ستجد بيتًا يشبه في أثاثه بيوت كل الجدّات، كراسٍ عتيقة، جدران شبه متهالكة، وبعض قطع الأثاث الحديثة نسبيًا، التي انضمت إلى البيت مؤخرًا، وفي أحد أركان المنزل ستجد بروازًا جميلاً يحمل جملة في خلفيتها صورة لشاب في ريعان شبابه، تستشف أنها صورة ابن صاحبة المنزل، ولكن تلك الجملة تجبرك على التوقف محاولًا استيعاب ما يحدث فعلًا في هذا البيت، تلك الجملة التي تقول: “إن لم يكن إلا جسدك فكيف تثور به”.
تدرك أن هذا البيت لا يشبه بيوت الجدّات إلا ظاهريًا، فبيوت الجدّات تتسم بالدفء، وصخب الأطفال، بالطعام الوفير الذي لا بداية له ولا نهاية، أأمن بيوت على الأرض هي بيوت الجدّات، بيوت الجدّات لا ينقطع فيها الضحك، ولا تعرف جدرانها إلا أصوات البهجة، فهي ملاذ الكبير للهروب من قسوة الدنيا، وملهى الصغير حيث لا حسيب ولا رقيب أبوي، ولكن هذا البيت لا ينتمي إلى تلك البيوت بأي صلة.
تدرك أن هذا البيت لا يشبه بيوت الجدّات إلا ظاهريًا، فبيوت الجدّات تتسم بالدفء، وصخب الأطفال، بالطعام الوفير الذي لا بداية له ولا نهاية
هذا البيت جدرانه تصرخ في صمت، والكآبة تحوم فوقه كغيمة شتاء، وفي هذا البيت كل الفصول شتاء، لا يعرف هذا البيت الطعام لأن صاحبته مُضربة عنه لأكثر من 242 يومًا، ولم يجتمع شمل هذا البيت لأكثر من ست سنوات، فابن الجدة مسجون في قضايا تكثر الأسئلة والشبهات حولها.
وبعد أن أنهى فترة سجنه وكان من المفترض أن يجتمع شمل تلك الأسرة قانونيًا منذ تقريبًا ثمانية أشهر، بالتحديد في سبتمبر/أيلول 2024، تُفاجأ ليلى بتمديد فترة سجن ابنها وعدم احتساب فترة حبسه الاحتياطي، وهذا ما يخالف القانون المصري حيث تنص المادة 482 من قانون الإجراءات الجنائية المصري، “على أن مدة العقوبة المقيّدة للحرية تبدأ من يوم القبض على المحكوم عليه/عليها، مع مراعاة تخفيضها بمقدار فترات الحبس الاحتياطي ومدة القبض”.
وكان هذا التجاهل لسنوات حبسه احتياطيًا بحجة أن التحقيق معه في قضية سابقة والتي حُبس على ذمتها احتياطيًا، اُعتُبرت قضية منفصلة عن القضية التي حُكم عليه على أساسها.
تبدأ قصة ليلى وعلاء عبد الفتاح ابنها الناشط الحقوقي المصري، بعدد من الاعتقالات أفضت إلى السجن خمس سنوات، ومن الواضح أنه سيكملهم سبع، هذا إذا انتهى الأمر عند هذا الحد، وكان اعتقاله في عام 2019 ضمن حملة اعتقالات واسعة، وقد اُتُهم علاء لمشاركته منشورًا عن ظروف وفاة معتقل، فحوكم بتهمة نشر أخبار كاذبة باستخدام أحد مواقع التواصل الاجتماعي.
تبدأ قصة ليلى وعلاء عبد الفتاح ابنها الناشط الحقوقي المصري، بعدد من الاعتقالات أفضت إلى السجن خمس سنوات، ومن الواضح أنه سيكملهم سبع، هذا إذا انتهى الأمر عند هذا الحد
ومن هنا كان فتيل إشعال إضراب (ليلى) عن الطعام، والذي استمر لأكثر من 242 يومًا، حينها علمت بعد أن استنفدت هي وبقية أفراد أسرة (علاء عبد الفتاح)، والقائمين/ات على حملة الإفراج عنه، كل الطرق والوسائل الممكنة لإطلاق سراحه، تأكدت أنه لم يبق لها سلاح للدفاع عن ابنها إلا جسدها، وقررت أن “تجوع ليحيى”.
ينقسم إضراب ليلى عن الطعام إلى عدة مراحل، منذ البداية حتى فبراير/شباط 2025، نجت ليلى بإضرابها في بيتها ولكن اضطُرت إلى الذهاب إلى المستشفى لتستطيع إكمال إضرابها، وفي تلك الأثناء كان خبر إضرابها قد وصل لابنها علاء في محبسه الذي قام هو الآخر بالإضراب، ثم خففت ليلى من حدة إضرابها وبدأت بالحصول على 300 سعرة حرارية يوميًا، عبر مكمل غذائي سائل. ولكنها عادت إلى الإضراب الكامل مرة أخرى في نهاية إبريل/نيسان.
حاليًا في فترة إعداد هذا المقال في نهاية مايو/حزيران، انتقلت ليلى مرة أخرى إلى المستشفى وهي تصارع الموت، بنسبة جلوكوز 8 ملجم لكل 100 سم مكعب، بينما المتوسط من 70 إلى 99 ملجم لكل 100 سم مكعب، ولهذا لا نعلم في وقت نشر هذا المقال هل سنلحق في النهاية فقرة لنعي ليلى أم تهنئة على مثابرتها، وإن كان للأسف الاختيار الثاني أقرب لكونه مستحيلًا.
لا أحب تلك النبرة التشاؤمية التي لم تعلّمنا إياها ليلى. في آخر لقاء مصور على منصة (المنصة)، قالت: “التضامن من الفئات المختلفة هو أكتر حاجة بتخلي الواحد يبقى نفسيًا متقبل اللي حاصل، وقادر يستمر”.
ولهذا يا ليلى، أَسحب كلمتي، وأضع أملي ورهاني أن ملحق هذا المقال يومًا ما سيكون تهنئة، ليس لك فقط بل لنا جميعًا بخروج علاء، وسأضع أملًا آخر على أن أوضاع كل مسجونات ومساجين الرأي في منطقتنا يصبحن/يصبحوا يومًا ما أحرارًا، وإن كنت أعتذر منك، فمقدار هذا الأمل الثاني أقل بكثير من أملي في حرية علاء.