في إحدى دور الرعاية في لبنان، إلتقيت ألين وهي مسنة اتخذت من هذا الدار مكانا يؤمن لها ما أمكن من الرعاية. وتعتبر ألين أن هذا الدار هو بمثابة بيتها الثاني. إلا أن بريق عينيها لم يسطع إخفاء اشتياقها لأسرتها البعيدة عنها والتي هاجرت بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها لبنان. وتخبىء صديقتها عفاف صورة لإبنها الوحيد التي لطالما حلمت أن تنعم بمجاورة عائلته الصغيرة. وتقول:”أنا أعيش في عزلة نفسية رغم وجودي هنا، بالرغم من الأوقات المسلية التي نمضيها سويا”. هذه هي حال الكثير من المسنات والمسنين في لبنان، وهناك ترابطا وثيق بين الأزمات اقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى قيام أعداد كبيرة من الشباب اللبناني بطرق أبواب السفارات أملا بالحصول على سبل عيش أقل قسوة، مما ترك الكثير من كبار السن بعيدين عن أسرهم.
احتياجات كبار السن
“يتبدل حال الجسم مع التقدم في العمر وذلك بسبب التغيرات التي تحدث على مستوى الخلايا والأعضاء وتؤدي هذه التغيرات إلى تغيرات مقابلة في الوظيفة والشكل“.
يحتاج المسن إلى مكان لائق يعيش في أنحائه، كما يحتاج إلى رعاية صحية ذات جوانب متعددة أبرزها الجسدية حيث مع التقدم في العمر، يبدأ نشاطه الجسدي بالتراجع مما يستدعي عموما تخفيفه للنشاطات التي كان يمارسها في السابق. وقد يصل إلى طلب مساعدة الآخرين المحيطين به، لتسهيل نشاطه اليومي. ومن ناحية الصحة النفسية يشعر أن شيئا ما قد تغير حوله أو أن هناك حاجة دائمة لديه لطلب المساعدة. فاحتياجات المسن تتطلب الإحاطة بكل هذه الجوانب في ظل جو يسهل على المسن دوره الذي يشعره بشكل إيجابي أنه ما زال يقوى على القيام به مما يؤمن نوع من الاستقلالية في رعاية أموره الذاتية.
التبدل الديموغرافي
إزدادت أعداد الشباب اللبناني المهاجرة إلى الخارج، مما أفقد لبنان جزءا كبيرا من ثروته البشرية، وخلق تغييرا ديموغرافيا لناحية تقلص أعداد الشباب حيث برزت شريحة اجتماعية كبيرة متقدمة في السن.
ومن المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص الذين بلغ أعمارهم 60 عاما وما فوق (2020-2050) أكثر من الضعف حوالي 765,000 (11.2% من مجموع السكان) إلى 1.7 مليون (27.1%) خلال نفس الفترة، وسينخفض عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاما بنحو الثلث”.
انعكست مشكلة هجرة الشباب، وتزايد عداد المسنين في لبنان في ظل عدم امكانية اصطحابهم إلى الخارج على الناحية النفسية للمسن، لأنه يعيش في عزلة بعيدا عن أسرته. من هنا تكمن أهمية المشاركة في أن يظل كبار السن مندمجين في المجتمع ويشاركوا في صوغ وتنفيذ السياسات التي تؤثر قاصدا في رفاهيتهم ويقدموا للأجيال الشابة معارفهم ومهاراتهم.
ألين مسنة اتخذت من هذا الدار مكانا يؤمن لها ما أمكن من الرعاية. وتعتبر ألين أن هذا الدار هو بمثابة بيتها الثاني. إلا أن بريق عينيها لم يسطع إخفاء اشتياقها لأسرتها البعيدة عنها والتي هاجرت بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها لبنان.
دور الدوله
إن نظم الحماية الاجتماعية لم تكن نتائجها شاملة وعلى القدر المرجو منها، فإن هناك شريحة من المسنين لم تدخل سوق العمل، مما يعني عدم حصولها على تغطية صحية إلا بواسطة عائلاتها، بالإضافة لخسارة العديد ن المسنين من ودائعهم في المصرف.
ولحل هذه الإشكالية يفترض وجود “مشروع قانون موحد” يشمل كل المسنين ويؤمن لهم الرعاية الصحية المجانية كما ومبلغا شهريا لتامين حاجاتهم الأساسية.
الحلول الممكنة
لا يمكن لأي حل من الحلول أن يؤدي النتيجة المرجوة منه، في مجال صون وحماية حقوق المسنين، من الناحية النفسية، ما لم يؤخذ بالاعتبار النقاط التي أشارت إليها مدربة الحياة عبير خضر، ففي حديث معها شددت خضر على أن تطال الرعاية الصحية لكبار السن كل المواطنين من فئة المسنين حتى الذين لم يدخلوا سوق العمل. فمبدأ الاستقلالية مبدأ أساسي في موضوع الصحة النفسية وقد تناولته الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد تأكيدها في أسبابها الموجبة على المواثيق الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيرها من المواثيق الدولية و على خطة العمل الدولية للشيخوخة لعام ١٩٨٢ القرار ٣٧، وهو مبدأ يفترض أن يوفر لكبار السن مصدر للدخل.
وأشارت الى ضرورة التركيز على الصحة النفسية للمسن وضرورة تأمين تفاعله مع المجتمع. “أن التواصل غير اللفظي مع المسن أمر يجب التنبه له نظرا لخطورته لأنه يحصل بواسطة الذبذبات أي ما يسمى التواصل الذبذبي، عند عدم القيام بالحديث إلى الأشخاص “أمامنا، يصدر نتيجة لذلك ذبذبات عنهم وهو ما يفسر أحيانا موضوع انزعاجنا من بعض الأشخاص أو حتى العكس.
وتضيف خضر يجب اعتبار بقاء المسن في منزله أولوية، بدلا من الانتقال إلى دار الرعاية التي يفترض أن يكون الاستثناء. حيث:”أن تغيير مسكن كبار السن من شأنه أن يعرضهم للتأقلم مع ظروف بيئية مختلفة وهو ما يخلق لديهما إحساسا بأن وجودهم أصبح من دون جدوى”.
إن الجمعية العامة للأمم المتحدة، قدمت بحوث العلمية تدحض الأفكار التي تقول بحتمية تدهور الصحة مع تقدم السن. لكن مع ارتفاع متوسط عمر الفرد خمس سنوات ونصف منذ بداية القرن الجديد يعني ضرورة إعطاء كبار السن حقهم في الرعاية ليبقوا فاعلين في مجتمعهم ويتمكنوا من تقديم خبراتهم التي يمكنها أن تؤدي دورها في دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام.