عندما قال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير إنه “إما أن نعود للعد، أو أن يعرف كل طرف حجمه”، أثار غضب الكثيرين في لبنان، ولا سيما المسيحيين. ولكن ماذا إن قيل أن نصرالله لم يخطئ؟
في 13 نيسان 1975، اتخذ طرف لبناني خيار إطلاق الرصاصة الأولى، لأهداف لو أنه فاز في الحرب الأهلية آنذاك لكان فرضها أمرا واقعا، ولكان حقه الطبيعي. ولكن عام 1990 انتهت الحرب، باتفاق الطائف، ومع أن الكفة كانت تميل إلى صالح المسلمين، إلا أن المناصفة كانت الصيغة التي قبل فيها أغلب اللبنانيين لأي طائفة انتموا. ومنذ ذلك الحين، لا تزال البلاد تخضع لنظام تقاسم السلطة بين المسيحيين والمسلمين، الذي كان يُنظر إليه على أنه حل مؤقت، وليس حلاً طويل الأمد. علما أنه كان أفضل الممكن لإنهاء صراع مدمر حرض مختلف الفصائل ضد بعضها البعض، ودام لمدة 15 سنة.
لا تزال البلاد تخضع لنظام تقاسم السلطة بين المسيحيين والمسلمين، الذي كان يُنظر إليه على أنه حل مؤقت، وليس حلاً طويل الأمد. علما أنه كان أفضل الممكن لإنهاء صراع مدمر حرض مختلف الفصائل ضد بعضها البعض، ودام لمدة 15 سنة.
ويقال في المثل الشعبي إنه ما كان معك اليوم قد يكون عليك غدا. وهذا ينطبق على واقع البلد. فالمسيحيون الذين كانوا أكثرية يوم ما، ويحكمون في زمن رضي فيه المسلمون أن يكونوا فيه مهمشين في صيغة الحكم آنذاك التي دامت حتى 1989، يعيشون اليوم في زمن يكثر فيه المسلمون عدديا، ومع ذلك يتقاسمون السلطة مناصفة. ولذلك، ماذا عن يوم غدا؟ فإن كان المسيحيون 19% أو إن كانوا 34% فالأرقام، مهما اختلفت تدل على أنهم يخسرون ديموغرافيا. وهذه الخسارة، بدأت تفتح الباب على نقاش حقيقي وعاصف اتجاه مستقبل لبنان.
المسيحي قلق على مستقبله، ولذا يرى أن مشروعا الفيدرالية أو التقسيم، اللذان هم وجهان لعملة واحدة في بلد مثل لبنان، يقدمان له شكلاً من أشكال الأمان. في حين، أن المسلمين الذين يتمسكون، حتى الآن، بصيغة المناصفة، يرون أن الحل الأمثل قد يكون بالامتثال لتعريف الديموقراطية الحقيقة. وعندها، فليحكم من يصل للحكم. وهكذا، يقع لبنان الوطن في لعبة شد الحبال ما بين الطرفين.
إذا ما الحل لهذه المعضلة؟
من الواضح، أن خوف المسيحي على نفسه، يجعله اليوم في ورطة. فإن دعا للتقسيم أو الفيدرالية، فإن مثل هذين المشروعين سيكونان مثيرين أكثر بالنسبة للمسلمين. وإذا، قال المسلمون لنذهب لديموقراطية حقيقة، فإن المسيحيين سيدفعون الثمن نتيجة الديمغرافيا.
وهذا ما خلص إليه أستاذ العلوم السياسية في جامعة فلوريدا أتلانتيك روبرت رابيل الذي أشار في مقال له إلى أنه “لا يمكن تطبيق الفيدرالية من خلال الأصوات المسيحية، والمارونية على نحو أساسي، وحدها. ولتحقيق أي قدر من النجاح، لا بد من معالجة القضايا الهيكلية التي تشكل حاليًا حواجز وبذل جهود شاملة إلى أقصى حد. وفي ظل غياب جهد طائفي جماعي داعم للفيدرالية، لا يمكن توقع تقاسم السلطة أو الإبقاء على السلام بين الكانتونات الطائفية المستقلة عن بعضها بعضًا. فالفيدرالية كما هي مقترحة حاليًا هي وصفة لتجدد الفتنة الأهلية، كما أثبت لنا مرارًا تاريخ لبنان.”
إذا، الحل يكمن في البقاء على نفس الوضع الذي نعيشه اليوم، أي استمرار نظام الحكم كما هو عليه. ولذلك، أن يقبل المسيحيون الجنة السياسية التي هم فيها، والتي يصر المسلمون عليها، وأن يكونوا أكثر حكمة في مقاربة الموضوعات. ذلك أن الاستمرار في المناكفة بين الزوجين، لن توصل إلا للطلاق وانهيار الحياة الأسرية. فهل يقبل المسيحي أن يكون سببا في الطلاق، بينما يريد المسلم أن يكون الزواج مارونيا لا طلاق فيه!
على المسيحيين، أن يعلموا أن صيغة الحكم الحالية، هي التي تضمن بقاءهم في البلاد، ولكن يجب أن يدركوا أيضا أن التناقص الديموغرافي لا يساعد في تمكين ذلك البقاء، بل يقلب الطاولة سياسيا واجتماعيا، وحتى اقتصاديا، ويعطي حجة مشروعة، مع الوقت، لشركائهم في البلد بأن يطالبوا بصيغة جديدة، تتماشى مع الواقع الجديد.
وأما بخصوص الأحزاب المسيحية والكنيسة فعليها جميعها أن تتناسى خلافاتها، وأن تضع نصب أعينها مستقبل المواطن اللبناني المسيحي، الذي لا ينفك عن التفكير بالهجرة، بسبب بؤسه من الحال التي وصل البلد إليها. وعليهم، أن يعلموا أن لا أحد يقدر على ضمانة بقائهم أكثر منهم. فَالسُّنَّة والدروز والشيعة بالتأكيد يحبون المسيحيين، ولكن ليس أكثر من زنودهم. وإذا كان السيد نصرالله قد ذكر بالعد، الذي أوقفه الراحل رفيق الحريري، فمن قال إن الحريري نفسه لم يكن ليقول “كملنا العد” لو كان اليوم بيننا؟