يدور الحديث عن مرض التلاسيميا في المجتمع الفلسطيني في لبنان ويكثر عندما نتكلم عن مخيّم البرج الشمالي، الذي يحتضن أكثر من ١٨٠ حالة بين المقيمين في المخيّم. وتتوزع هذه الكمية من الاصابات على مساحة تبلغ ١٣٤٦٠٠متر مربع، ومن اصل ١٩٦٠٠ نسمة. يتابع المسؤول عن ملف مرضى التلاسيميا في اللجنة الشعبية في المخيّم “وحيد وحيد” عمله في رصد الحالات ويقول: “إنّ أعداد المُصابين بهذا المرض كثيرة وتصل نسبتها إلى نحو واحد% من عدد المقيمين حسب الأسماء المسجلة لدينا. وتحتل النساء النسبة الأكبر، أما أعداد الرجال فهي عرضة للإرتفاع لأنّ المرض وراثي، ويفتقر مخيّمنا إلى مركز متخصص بمعالجة هذا المرض”
إن مرض التلاسيميا لم يستجد حديثا في المخيم وأن الظروف الصعبة في المخيمات تعرقل العلاج وتزيد من المعاناة. هناك أعداد ملفتة تصاب، وفي بعض الحالات تشمل العائلة بأكملها.
ورغم إنّه نوع من أنواع فقر الدم المتوارث (خِضاب الدم) لكنّه مرض غير مُعد، يُسبّب إنخفاضاً بمادة الهيموغلوبين في الدم وهي المسؤولة عن توزيع الأوكسجين إلى جميع أعضاء الجسم، تختلف شدتها من الناحية السريرية بشكل كبير إذ تتراوح بين الأشكال البسيطة غير المصحوبة بأعراض إلى الأنواع الشديدة أو حتى المميتة. وأحد أسباب إنتشاره في المخيّم هو: زواج القربى

يقول الطبيب محمد عثمان: “سابقا، كانت تتمّ الزيجات من دون إجراء فحوصات طبية مسبقة، وبالتالي تأتي الإصابات عند الأطفال المولودين، وخصوصاً إذا كان الزوجان قريبان ويحملان إشارات التلاسيميا. لذلك، يجب إجراء فحوصات مخبرية قبل الزواج للتأكد من عدم وجود إشارات للمرض المذكور، ولكنّ البعض يتجاهل هذا الشرط الوقائي، وفي حال الحمل يمكن فحص الجنين في أشهر الحمل الأولى لمعرفة إن كان مصاباً بالمرض أم لا”.
وتشير دراسة علمية ميدانية أجرها بعض الباحثين في العام 2011 “مرضى الثلاسيميا في مخيم برج الشمالي تحديات هائلة وفرص محدودة”، إلى أنّه في حال تبيّن إصابة أحد الثنائي بالمرض، يمكن اللجوء إلى الإنجاب عبر الأنبوب وهذه الطريقة تساعد على إنجاب طفل سليم.
أحد الناشطين يرى أنّ المدخل لمعالجة هذه المشكلة في المخيّم، يكون بالتوعية للإبتعاد عن زواج القربى خصوصاً بين أفراد العائلات الذين يحملون إشارات المرض. وتوفير العلاج المناسب للمصابين.
معاناة مُضاعفة
تعاني السيدة نوال وهي مُصابة بالتلاسيميا من سوء الأوضاع المادية ما يحرمها من تأمين العلاج المناسب وشراء الأدوية ذات الأسعار المرتفعة.
أما الشاب اليافع يوسف كشف لموقع الإفادة أنه تم اكتشاف إصابته بهذا المرض منذ سنواته الأولى، ويروي قصته:”كنت أخضع دائماً لعملية نقل وحدات دم بمعدل مرتين إلى اربع مرات في الشهر، إضافة إلى تناولي الدواء دائماً منذ عشر سنوات ويبلغ سعرالدواء 110 آلاف ليرة لبنانية. ويؤمّن إخوتي الأدوية لي، لأنّ وضعي الصحي لا يسمح لي بالعمل بشكل مستقل، وأنا بحاجة إلى دواء صار سعره مرتفعاً جداً ويصل إلى ٣٠٠ ألف ليرة لبنانية شهريا”.
ورغم هذا الوضع المتردي تأتي المشكلة الاكبر المتمثلة بصعوبة شراء الادوية حيث ان اسعارها مرتفعة جدا، ويجب على مريض التلاسميا ان يلتزم بتناولها بشكل يومي كل حسب حالته، وهناك حوالي 53 حالة مرضية قسوة بحاجة إلى كميات أكبر من الأدوية المختصة بعلاج هذا المرض.
مبادرات دعم
وتتابع اللجنة الشعبية في المخيّم أوضاع المرضى، وتُقدّم لهم الدعم المطلوب منذ ستة أشهر، بتمويل من منظمة فرنسية، كما يحصل العديد من المصابين على دعم “متقطّع” من بعض الجمعيات الأجنبية كجمعية “تواصل” الألمانية، وجمعية “أطباء بلا حدود”، بالإضافة إلى بعض الجمعيات الفلسطينية المحلية كجمعية :”الشفاء”.
وتُغطي وكالة الأونروا جانباً من المساعدة الطبية. ولكن، تبقى المشكلة الأساسية كما يلخّصها مُصاب آخر: “بتأمين الدواء الأساسي لهذا المرض وهو”الهايدريا” -العقار الأهم في علاج هذا المرض- ولا توجد أي جهة تؤمّنه للمرضى، وهذا ما يزيد من قسوة مسيرة العلاج وخصوصاً من الناحية المادية في ظل هذه الأوضاع الإقتصادية الصعبة.
فادي اسماعيل هو أحد المتطوعين الشباب في المخيم والذي يعتقد أنّ المطلب الأهم هو تأمين طبيب لمتابعة هذا العدد الكبير من المرضى في المستشفيات، وفي الكشف الدوري عليهم، وإجراء الفحوصات الدورية اللازمة.
يعتمد الأطباء في تشخيص التلاسيميا على نوعين من الاختبارات وهي صورة الدم الكاملة واختبارات الهيموجلوبين الخاصة (Hemoglobin Electrophoresis).
وتقاس كمية الهيموجلوبين وأنواع مختلفة من خلايا الدم مثل كريات الدم الحمراء في عينة الدم. الأشخاص المصابين بالتلاسيميا يكون لديهم عدد كريات دم حمراء وكمية هيموجلوبين أقل من المعدل الطبيعي. أما الأشخاص الحاملين للمرض فيكون حجم كريات الدم الحمراء أصغر من المعدل الطبيعي.
لذلك التحدي الأكبر يكمن في كيفية قراءة الفحوص المخبرية ونتائجها، حيث أن ليس هناك الكثيرمن المختبرات التي تعطي نتائج دقيقة حول المرض وبالتالي عدم وجود الكثير من المختصين الكفوئين لتحليل النتائج.