مهمتنا تبدأ وتمضي بكم/ن

Edit Template

الغذاء كسلاح حرب: إسرائيل تُجوّع غزة وسط صمت دولي مخزٍ

اشترك في

النشرة البريدية الأسبوعية: 

تم الاشتراك في النشرة بنجاح تم حدوث خطأ غير متوقع

تبعنا علي

وسائل التواصل الاجتماعي

تم حفظ المقال في المفضلة
تم نسخ الرابط بنجاح!
الجمعة 20 يونيو 20259:25 م

في قلب هذا العالم المُترف، يحتضر أهالي قطاع غزة تحت وطأة واحدة من أبشع الأزمات الإنسانية في تاريخنا المعاصر. فالجوع في القطاع لم يعد مجرد أزمة، بل صار سكينًا ينهش أجساد الأطفال والطفلات، وصرخات الجائعين والجائعات هناك، لا يسمعها أحد في ظل صمتٍ عالميٍّ مُخزٍ.

وبمناسبة يوم الجوع العالمي، الذي يُصادف الثامن والعشرين من مايو من كل عام، نُذكِّر العالم بأن الجوع في غزة جريمة مُمنهجة تُرتكب على مرأى ومسمع من الجميع. فبينما تنعم دولة الاحتلال بوفرة غذائية، يُحرم أهل غزة وأهلهن حتى من فتات الحياة، ويموتون ويمتن من الجوع بعد شهور من الحصار الكامل.

فاطمة، ذات الأعوام الأربعة، واحدة من بين آلاف الأطفال والطفلات المهددين/ات بالموت جوعًا، إذ كان جسدها الصغير يتضاءل يومًا بعد آخر حتى لفظت أنفاسها الأخيرة. وتروي والدتها، والدموع تخنق صوتها: “الجوع يجتاحنا جميعًا قبل أن تحط القذائف، والأعين غائرة تبحث بلا كلل عن كسرة خبز بين أنقاض الدمار”.

مأساة الجوع في غزة ليست جديدة

لم تكن مأساة الجوع في غزة وليدة هذا الإغلاق المُطبق فحسب، فالتاريخ شاهد على جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة ضد الإنسانية، فحتى قبل اندلاع العدوان الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان القطاع يرزح تحت فقر مُدقع، وبطالة خانقة، وانعدام شبه تام للأمن الغذائي، فاقمها العدوان الأخير.

حتى قبل اندلاع العدوان الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان قطاع غزة يرزح تحت فقر مُدقع، وبطالة خانقة، وانعدام شبه تام للأمن الغذائي، فاقمها العدوان الأخير

فبحسب تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) بتاريخ 22 فبراير 2023، يحتاج أكثر من 60% من سكان غزة إلى المساعدات الإنسانية. وتُعد القيود المفروضة على تنقل الفلسطينيين/ات، وحركة البضائع أحد الأسباب الرئيسية التي تقف وراء هذه النسبة المرتفعة للغاية، فالحدود البرية المحيطة بغزة مغلقة.

وازدادت وطأة هذه القيود عقب الحصار الذي فرضته السلطات الإسرائيلية في عام 2007. ويُحظر الخروج من غزة ودخولها عن طريق الجو والبحر.

كما أظهر تقرير الأونروا في 2023 تدهورًا ملحوظًا في الأمن الغذائي بعد حصار عام 2007، حيث عانى 63% من سكان وساكنات القطاع من انعدام الأمن الغذائي ويعتمدون/يعتمدن على المساعدات الدولية، مع عيش 81.5% من السكان في فقر. وبلغ معدل البطالة الإجمالي قدره 46.6% في نهاية الربع الثالث من عام 2022، ويرتفع إلى 62.3% بين الشباب والشابات (15-29 سنة).

كما ذكر التقرير أن نسبة السكان الذين لا يحصلون/يحصلن على مياه نظيفة بلغت نحو 95%، في حين لا يتجاوز متوسط توفر الكهرباء في قطاع غزة 11 ساعة يوميًا اعتبارًا من يوليو 2023. وقد تسبب النقص المستمر في الطاقة في تأثير بالغ على تقديم الخدمات الأساسية، خاصة في مجالات الصحة والمياه والصرف الصحي. كما يُضعف هذا النقص اقتصاد غزة الهش، لا سيما في قطاعات الصناعة والزراعة، مما أدى إلى تفشي الفقر على نطاق واسع.

أدى تقييد الوصول إلى الغذاء المغذي إلى زيادة كبيرة في المضاعفات الصحية المرتبطة بسوء التغذية، مثل التقزم، ونقص المغذيات الدقيقة والأمراض المزمنة. وقد بلغ معدل انتشار انخفاض وزن المواليد عند الولادة، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 10.7% على المستوى الوطني (9.1 في قطاع غزة) خلال الفترة بين عامي 2019 و2020.

أدى تقييد الوصول إلى الغذاء المغذي إلى زيادة كبيرة في المضاعفات الصحية المرتبطة بسوء التغذية، مثل التقزم، ونقص المغذيات الدقيقة والأمراض المزمنة

كما سجل تقرير منظمة الصحة العالمية معدلات عالية لفقر الدم بين الفتيات والنساء، حيث وصل إلى 33.5% بين طالبات المرحلة الثانوية فوق 15 عامًا و31% بين النساء في سن الإنجاب عام 2019.

الجوع في غزة يبلغ مستويات قياسية تُهدد أرواح الملايين

منذ أكتوبر 2023، شهد قطاع غزة واحدة من أسوأ الأزمات الغذائية الأخيرة بما في ذلك البنية التحتية لإنتاج الغذاء، مما حوّل الوضع الغذائي في القطاع المحاصر من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى المجاعة.


وفي هذا السياق، يقول فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا): “إن الجوع ينتشر في غزة، والناس منهكون/منهكات… يمكننا أن نتوقع أنه إذا لم تصل أي مساعدات، في الأسابيع المقبلة، لن يموت الناس بسبب القصف، بل سيموتون بسبب نقص الغذاء”.

يمكننا أن نتوقع أنه إذا لم تصل أي مساعدات، في الأسابيع المقبلة، لن يموت الناس بسبب القصف، بل سيموتون بسبب نقص الغذاء

وفي مقابلة مع قناة “BBC“، أكد لازاريني أن المساعدات الغذائية والإنسانية تُستخدم كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية في غزة، مضيفًا: “لا شك أننا نتحدث عن فظائع واسعة النطاق، قد ينتهي الأمر بإبادة جماعية. هناك العديد من المؤشرات التي قد تدفع بهذا الاتجاه”.

كما أشار إلى التقارير الصادرة عن “التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)”، وهو مشروع مشترك بين وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة والحكومات لقياس ما إذا كانت هناك مجاعة، إلى أنه وفقًا لآخر تحديث للتصنيف، فإن غزة على وشك المجاعة، حيث يعاني جميع سكانها، أي أكثر من مليوني شخص، ونصفهم تقريبًا من الأطفال والطفلات، من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وفي ضوء ما ورد في الموجز الخاص لمبادرة التصنيف المرحلي المتكامل بشأن غزة والصادر في 20 نوفمبر 2024 (IPC Global Initiative – Special Brief – Gaza Strip)، فإنه من المتوقع خلال الفترة الممتدة من بداية نوفمبر 2024 وحتى نهاية إبريل 2025، أن يواجه نحو 1.95 مليون شخص (أي 91% من السكان) مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي، وذلك ضمن المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي المتكامل لانعدام الأمن الغذائي (IPC) وما فوقها.

ويُقدّر أن حوالي 354,000 شخص (16% من السكان) سيواجهون وضعًا كارثيًا (المرحلة الخامسة – Catastrophe)، في حين يُتوقع أن يكون أكثر من 876,000 شخص في حالة طارئة (المرحلة الرابعة، Emergency)، بالإضافة إلى نحو 728,000 سيُصنّفون ضمن مرحلة الأزمة (المرحلة الثالثة – Crisis).

خريطة الوضع المتوقع وجدول توزيع السكان (من 1 نوفمبر 2024 إلى 30 أبريل 2025) – مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل (IPC) – موجز خاص

وفي هذا الصدد، ذكرت “هيومن رايتس ووتش” عبر موقعها الإلكتروني أن الحكومة الإسرائيلية تستخدم تجويع المدنيين/ات أسلوبًا للحرب في قطاع غزة المحتل، حيث يتعمد الجيش الإسرائيلي منع إيصال المياه، والغذاء، والوقود، بينما يُعرقل عمدًا المساعدات الإنسانية، ويبدو أنه يجرّف المناطق الزراعية، ويحرم السكان المدنيين/ات من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم/بقاءهن. وقد أعلنت إسرائيل رسميًا، في 8 أكتوبر 2023، عن نيتها حرمان غزة من الغذاء والماء والطاقة.

وفي دراسة بعنوان “من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى المجاعة: كيف أعادت حرب 2023/2024 على غزة عقارب الساعة إلى الوراء بالنسبة للهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة للقضاء على الجوع”، تم التأكيد على أن الدمار الواسع والخسائر الإنسانية الفادحة الناجمة عن الحرب المستمرة على غزة، ألحقت أضرارًا جسيمة، بل ودمرت الأراضي الزراعية وكامل البنية التحتية لإنتاج الغذاء (مثل المخابز والمطاحن ومرافق تجهيز الأغذية)، ما أدى إلى انهيار النظام الغذائي في غزة.

وذكرت الدراسة أنه لمواجهة مستويات كارثية من الجوع، لجأت بعض العائلات في غزة إلى تناول الأعلاف الحيوانية والأعشاب الضارة للبقاء على قيد الحياة، في ظل استخدام ممنهج لتجويع المدنيين/ات كأسلوب من أساليب الحرب.

95% من الأرض الزراعية في غزة غير متاحة

وقد أظهر أحدث تقييم جغرافي مكاني أجرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) ومركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية، أن أقل من 5% فقط من مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة لا تزال متاحة للزراعة، مما يزيد تدهور القدرة على إنتاج الغذاء ويفاقم خطر المجاعة.

جميع المخزون الغذائي المتوفر لديه في القطاع قد نفد، وذلك في ظل استمرار إغلاق المعابر

وذكرت منظمة الفاو أن الوضع حرج بشكل خاص في رفح والمحافظات الشمالية، حيث لا يمكن الوصول إلى جميع الأراضي الزراعية تقريبًا. وبالاستناد إلى صور الأقمار الصناعية عالية الدقة ومقارنتها ببيانات ما قبل الصراع، أظهر التقييم أن 71.2% من الصوبات الزراعية (الدفيئات) في قطاع غزة قد تضررت، إضافة إلى تضرر 82.8% من الآبار الزراعية في جميع أنحاء القطاع.

أسعار المواد الغذائية ترتفع بأكثر من 1000% وسط نفاد المخزون وإغلاق المعابر

وقد أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة والمُخصص لدعم الأسر في قطاع غزة، في 25 إبريل 2025، أن جميع المخزون الغذائي المتوفر لديه في القطاع قد نفد، وذلك في ظل استمرار إغلاق المعابر. كما أشار إلى أن أسعار المواد الغذائية الأساسية في قطاع غزة ارتفعت بنسبة تزيد عن 1000% مقارنة بمستويات ما قبل الحرب، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).

أما آن الأوان لأن يرتفع صوت الضمير فوق صمت العالم؟ أما آن الأوان لتُبذل جهودٌ جادّة وحاسمة لإنقاذ ما تبقى من الأرواح البريئة؟ غزة لا تحتمل المزيد من الانتظار، لا خيار أمام المجتمع الدولي إلا أن يتحرّك، الآن، وبلا تأخير.

لا توجد وسوم لهذه المقالة.
Subscribe
Notify of
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة:

اشترك في نشرتنا الشهرية

تابعونا ليصلكم/ن كل جديد!

انضموا إلى قناتنا على الواتساب لنشارككم أبرز المقالات والتحقيقات بالإضافة الى فرص تدريبية معمقة في عالم الصحافة والإعلام.

هل تريد تجربة أفضل؟

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربة التصفح وتحليل حركة المرور وتقديم محتوى مخصص. يمكنك إدارة تفضيلاتك في أي وقت.

ملفات تعريف الارتباط الضرورية

ضرورية لعمل الموقع بشكل صحيح. لا يمكن تعطيلها.

ملفات تعريف الارتباط للتتبع

تُستخدم لمساعدتنا في تحسين تجربتك من خلال التحليلات والمحتوى المخصص.

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x