في لبنان، حيث تظل الطائفية سائدة في جميع مناحي الحياة، يسعى العديد من المواطنين إلى شطب مذهبهم من إخراج القيد كخطوة نحو التحرر من النظام الطائفي الذي يهيمن على البلاد. ورغم وجود قانون يسمح بهذا التغيير، فإن الواقع على الأرض يثبت أن تحقيق هذا الهدف ليس بالأمر السهل. يتجلى ذلك بوضوح في تجربة علي، أحد سكان جنوب لبنان، الذي حاول تقديم طلب لشطب مذهبه من إخراج القيد العائلي. على الرغم من أن هذا الإجراء يهدف إلى تعزيز حق الأفراد في حرية المعتقد، إلا أن علي واجه تحديات كبيرة عندما قابل المختار في قريته.
“ذهبت الى مختار بلدتنا، لأستفسر عن إجراءات شطب المذهب عن إخراج القيد الخاص بي، ودار حوار مطول بيني وبين مختار البلدة وهو يحاول إقناعي بالعزوف عن هذا الإختيار لأنه قد يهدد مستقبلي الوظيفي”، قائلا :”انشالله بس تتغير تركيبة البلد الطائفية، بتعمل اللي بدك ياه”. “ورفض أن يقوم بما هو حق لي حسب القانون اللبناني، 30 سنة من مدينة صور في جنوب لبنان” يقول علي.
المختار، الذي كان في البداية مهذبًا في رفضه طلب علي، أبدى فزعًا واضحًا من فكرة شطب المذهب. لم يكتفِ المختار بإنكار طلب علي بل أشار إلى مخاوفه من عواقب هذا القرار، محذرًا إياه من فقدان فرص العمل في ظل النظام الطائفي القائم الذي يوزع المناصب والفرص بناءً على الانتماء الطائفي. هذا التفاعل يعكس التحديات التي يواجهها العديد من اللبنانيين الذين يسعون للتحرر من القيود الطائفية المفروضة عليهم.
تُشكل الطائفية جزءًا رئيسيًا من المشهد السياسي اللبناني، حيث تكبد اللبنانيون خسائر كبيرة نتيجة آثارها السلبية على مختلف الأصعدة. فغالبًا ما يتجاوز الانتماء الطائفي شعور الأفراد بالانتماء إلى الوطن، مما ساهم في تعميق الانقسامات وتقويض الوحدة الوطنية.
يُعتبر شطب الإشارة إلى الطائفة حقًا لجميع اللبنانيين وفقًا للدستور والقانون، بالإضافة إلى الالتزامات الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وقد أكدت هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل على هذا الحق بالإجماع بين القضاة، وانتهت بإقرار وزارة العدل بضرورة عدم ذكر الطائفة في سجلات النفوس.
كما التزمت وزارة الداخلية بتطبيق هذا الحق من خلال السماح بشطب الإشارة للطائفة أو تصحيحها، بحيث تُستخدم علامة مائلة (/) في خانة المذهب في السجلات.
يُعتبر شطب الإشارة إلى الطائفة حقًا لجميع اللبنانيين وفقًا للدستور والقانون، بالإضافة إلى الالتزامات الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
في حديث لمنصة صلة وصل مع وسام برجي مختار بلدة علي النهري، البقاع الأوسط، زحلة. أكد على ان شطب المذهب عن إخراج القيد هو إجباري يجب أن يكون ملزم، ويضيف: “أن معتقد الانسان هو أمر شخصي يخصه هو فقط، ونشهد أيضا حالات تضييق مختلفة يشهدها شبابنا في الإغتراب نظرا لنوع المذهب، بالإضافة الى ذلك، نتعامل كمخاتير مع مئات الحالات التي تنوي الزواج من شريك من مذهب مختلف حيث تعاني من الإجبار على كتب الكتاب في محاكم مختلفة عن مذهبهم وأتباع مذهب الشريك عند الاقبال لتثبيت زواجهم بطريقة رسمية، وفي هذا نوع من عدم إحترام معتقد الزوجين اللذين لا يهمهما تغيير مذهب الأخر وينويان الارتباط بإسم الحب”.
يقول المختار وسام، أنه بسبب بعض الاعتبارات السياسية، ينزعج البعض من طلب تغيير المذهب بسبب تقسيم الوظائف حسب حصة كل طائفة، تحت مبدأ ضمان تمثيل الجميع، بالوقت الذي من الأجدى التفكير بكفائة الشخص ومقدرته على إنجاز العمل بمهنية عالية.
وأشار الى أن شطب المذهب يلغي عملية التوظيف السياسي التي يلجأ إليها الاحزاب السياسية بأسم الطائفة ولتكون ورقة ضغط على المواطن.
ويضيف أن الهوية تعبر عن الانتماء للوطن وليس للهوية الدينية. فلا معنى لوجود الهوية الدينية في هذا الإطار.
الإجراءات والمستندات المطلوبة لشطب القيد
يعتبر إجراء الشطب إجراء قانوني يتم إداريا عبر تقديم طلب “إزالة الإشارة إلى الطائفة من سجلات النفوس” إلى مأمور النفوس فى مركز القضاء وهو يقضي بإلغاء ذكر المذهب من الخانة المخصصة له، والحصول على نسخة معدلة من إخراج القيد تُستخدم فيه علامة مائلة (/) في خانة المذهب .
لإصدار قيد جديد بعد شطب الإشارة إلى الطائفة، يجب توفير الإجراءات والمستندات التالية:
1. طلب التصحيح، والذي يُعرف أيضًا بطلب الشطب.
2. تعميم وزارة الداخلية، الذي يوضح الإجراءات المعتمدة.
3. طلب بيان قيد فردي، للحصول على المعلومات اللازمة.
4. صورة الهوية، بالإضافة إلى صورتين شمسيتين حديثتين.
أشار الدكتور نزار أبو جودة، محاضر في الجامعة اللبنانية، إختصاص علم النفس الإجتماعي، إلى أن شطب المذهب هو أمر جزئي، لكن الأهم هم إزالة الطائفية من القلوب والنفوس أولا، وذلك يتطلب نهضة شاملة تطال التربية، المدارس والجامعات، وتضامن وسائل الإعلام في هذا الصدد. ينتج عنها وعي شامل على المستوى الفكري والعقلي والنفسي.
ويقول:”المشكلة لن تحل عبر إزالة المذهب عن إخراج القيد، مع إرتباط أسم الشخص بطائفة معينة، فلن يمنع ذلك الآخر من معرفة طائفة الشخص من إسمه حتى ولو أزال المذهب عن تذكرته”.
ويشير أبوجودة أن إزالة المذهب خطوة جزئية ولا بأس بها ولكنها ليست بحل جذري، حيث أن الحل يجب أن يحصل على مستوى الدولة.
التحديات أمام شطب القيد الطائفي
يُشكل القيد الطائفي في لبنان عقبة رئيسية أمام تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية. فرغم التوجه المتزايد نحو إنهاء هذا القيد، لا تزال هناك تحديات كبيرة تعيق تلك العملية إلى الحد الذي يُجبر شاطبي القيد على العودة إلى القيد الطائفي من جديد، وأبرزها يأتي على النحو التالي:
1- التشريعات القائمة: الاستمرار في تطبيق التشريعات الدينية بدلاً من المدنية، مما أدى إلى حرمان شاطبي القيد من حقوقهم المدنية.
2- غياب الحماية القانونية: لا يوجد قانون يحمي حقوق الذين شطبوا قيدهم الطائفي، حيث تستمد الطوائف قوتها وسلطتها من النظام الطائفي الذي يتفوق على سلطة الدولة في العديد من الجوانب، مما يعرض الأفراد للخطر إذا خرجوا من هذا النظام. فالحماية في هذه الدولة تأتي من “الطائفة” لا من “القانون” مما يعزز سلطة الطوائف على حساب قوة الدولة.
3- النظام الانتخابي: لايزال النظام الانتخابي مقيداً بالانتماءات الطائفية، مما يُعيق فرص المشاركة السياسية المتساوية بين جميع المواطنين. هذا الوضع يتعارض مع ما نص عليه اتفاق الطائف، الذي كان يُفترض أن تُجرى بموجبه أول انتخابات بعد الاتفاق دون قيود طائفية.
4- الخوف من العواقب السياسية: يشعر الكثير من اللبنانيين بالقلق من أن شطب القيد الطائفي قد يُؤثر سلبًا على وضعهم السياسي والاقتصادي. فالنظام الطائفي يؤثر بشكل مباشر على توزيع السلطة والمناصب في الدولة، لذا فإن أي تغيير قد يُعتبر تهديدًا للمصالح الشخصية.
5- القيود على الوظائف العامة: يُحرم الأشخاص الذين شطبوا قيدهم الطائفي من التوظيف في القطاع العام، حيث يتم توزيع الوظائف بناءً على الانتماءات الطائفية.
6- عائق أمام الزواج: شطب القيد الطائفي يشكل عقبة أمام إتمام إجراءات الزواج وفقًا لقوانين الأحوال الشخصية المرتبطة بالطوائف.
7- الحرمان من الإرث: يُواجه الأشخاص الذين شطبوا قيدهم الطائفي تحديات في تحصيل الإرث الذي يتم توزيعه وفقًا للقوانين الدينية الخاصة بالطوائف.
8- المقاومة الدينية: يواجه الأشخاص الذين يشطبون قيدهم الطائفي مقاومة قوية من رجال الدين، الذين يعتبرون هذا الفعل خروجًا عن الطائفة. يُنظر إلى هؤلاء الأفراد على أنهم يتجاهلون الانتماءات التقليدية، مما يؤدي إلى تكفيرهم في بعض الحالات.
9- الضغط الاجتماعي: هناك ضغوط اجتماعية كبيرة تفرضها المجتمعات الطائفية، حيث يُنظر إلى الأفراد الذين يحاولون الخروج عن الأطر الطائفية كمتمردين أو غير مخلصين لهوياتهم. هذا الضغط يمكن أن يؤدي إلى العزلة أو التهميش من قبل أفراد المجتمع.
10- الهوية الثقافية: ترتبط الهوية الطائفية بعمق بالثقافة والتقاليد اللبنانية. لذلك، فإن إزالة القيد الطائفي قد تُعتبر تهديدًا لتراث وثقافة الطوائف المختلفة، مما يجعل البعض يقاوم فكرة تغيير هذه الهوية.
مآلات التحديات الطائفية: بين شطب القيد والتراجع عنه
بسبب هذه التحديات الكبيرة، أصبح عدد الأشخاص الذين يجرؤون على شطب قيدهم الطائفي محدودًا للغاية. ومع الوقت، يتزايد عدد الذين يتراجعون عن هذه الخطوة ويطالبون بإعادة إدراج طوائفهم في السجلات الرسمية. هؤلاء الأشخاص يجدون أنفسهم مضطرين لذلك بسبب الحفاظ على حقوقهم الأساسية، مثل التوظيف في القطاع العام، الإرث، والزواج، وغيرها من الحقوق الحيوية التي تعتمد بشكل كبير على الانتماء الطائفي.
هذا التراجع يعكس حالة من الإحباط العميق، حيث كان شطب القيد بالنسبة للكثيرين خطوة رمزية للتحرر من قيود الطائفية والانتماء للوطن ككل بعيدًا عن الهويات الطائفية.
