مهمتنا تبدأ وتمضي بكم/ ن

الحروب الأهلية اللبنانية المسلحة: ما أشبه اليوم بالبارحة

اشترك في

النشرة البريدية الأسبوعية: 

تم الاشتراك في النشرة بنجاح تم حدوث خطأ غير متوقع

تبعنا علي

وسائل التواصل الاجتماعي

تم حفظ المقال في المفضلة
تم نسخ الرابط بنجاح!
22/04/20241:45 م

السبت ١٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤، ذكرى مرور ٤٩ عاما على بدء الحروب الأهلية المسلحة التي تؤرخ بحادثة بوسطة عين الرمانة، التي يمكن وصفها بالشعرة التي قصمت ظهر البعير. لكن كثير من اللبنانيين يرى أن هذه الحروب بدأت قبل هذا التاريخ الذي اعتمد في الكتابات.

إن ما يمر به لبنان حاليًا، يذكر من عايش تلك الحروب الأهلية المسلحة بأنها قادمة مجددًا إذا توفر لها العامل الخارجي الحاسم في إشعال أي حرب أهلية جديدة.
مؤسسات الدولة تتحلل، والشعوب اللبنانية إلى مزيد من التقوقع والإنعزال، والوضع يتجه إلى مزيد من الفوضى الأمنية، وكل طرف طائفي أساسي يعمل جاهدا ليكون على رأس نظام المحاصصة الطائفية.
إتفاق الطائف أوقف الحرب المسلحة، لكنه لم يقدم حلًا للكيان اللبناني، يفسح في المجال لبناء دولة ديمقراطية، بل توصل إلى اتفاق محاصصة جديد أبعد أحد أطراف المحاصصة عن رأس النظام في محاولة لبناء نظام ترويكا، ما لبث أن تحول إلى ساحة نزاع جديد تعكس موازين قوى طائفية جديدة.

بعد مرور قرن على إنشاء الكيان بات واضحا أنه يسير إلى مزيد من التضعضع ومؤسساته تتجه إلى التحلل، والقوي الباقي هو النظام الطائفي الذي يبحث أربابه عن صيغة جديدة تعكس موازين قواه الحالية.

بعد عام ١٩٧٦ بدأ النقاش حول الحرب المسلحة إذا كانت ممرًا إجباريا أم كان بالإمكان تجنبها، وما زال النقاش مستمرًا حول هذه المسألة وحول إن كان العامل الداخلي المتمثل بالانقسامات اللبنانية كافية لإشعال حرب مسلحة، أم أنها بحاجة إلى عامل خارجي له أهداف يسعى إليها من خلال حرب قد تندلع. إن الإتفاق على العامل الحاسم الذي يدفع “الشعوب” اللبنانية للجوء إلى السلاح، يلعب دورًا في منع تكرارها.

لم يكن تأسيس الكيان اللبناني نتيجة حركة شعبية ناشطة تريد الاستقلال عن سلطنة عثمانية تناثرت أراضيها، بل كانت عملية التأسيس نتيجة تقاسم الميراث العثماني في المنطقة بين بريطانيا وفرنسا، وإلحاق أربعة أقضية بمركز جبل لبنان الذي يتمتع بخصوصية تكوينه بين الدروز والموارنة، وقد أضيفت إليهما مجموعات ومكونات مختلفة، وتحول الكيان الجديد إلى مساحة تضم مجموعات لكل منها تاريخها وعاداتها وتقاليدها وأساطيرها، ونظرتها إلى الآخرين.
ولكل مجموعة مرجعيتها السياسية، وتتصرف بصفتها تضم رعايا لزعيم مناطقي أو طائفي، وليس كمواطنين لهم ذات الحقوق، وعليهم ذات الواجبات.

بدأت الحرب الأهلية المسلحة عام ١٩٧٥، والهدف الأساس منها إنهاء الوجود الفلسطيني المسلح على أيدي اللبنانيين، ويدافع عن هذا الوجود أيدي لبنانية أيضًا.

في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي جرت محاولات لبناء حركة شعبية تسعى إلى التغيير، لكن قيادة هذه الحركة الشعبية نظرت إلى الشعوب اللبنانية، وكأنها بنية مجتمع متكامل الإنجاز، وأن الانقسامات في داخله هي أفقية تعبر عن مصالح طبقية واضحة، وأن الطائفية ليست إلا مرض يمكن معالجته وصولا إلى التغيير المنشود.
إن قيادة الحركة الشعبية الواعدة استطاعت بناء مساحة مصالح مشتركة بين مجموعات مختلفة في مجالات محددة، لكنها لم تستطع إخراجها من الموقع الطائفي، وتمنع التحاقها بالزعماء، فكان العمال يتظاهرون، ويتحركون من أجل مصالحهم الاقتصادية، ويعودون إلى انتخاب زعماء طوائفهم في الانتخابات النيابية.

هذه الحركة الشعبية رأت أن المشكلة بالمارونية السياسية، ولم تول أهمية لمسؤولية النظام الطائفي الذي تتزعمه المارونية السياسية. وفي الوقت ذاته لم تكن تهدف إلى اللجوء للعنف من أجل التغيير، وهذا كان واضحا بردود فعلها بعد إقدام السلطة على قتل عمال غندور في بيروت ومزارعي التبغ في النبطية، ومن خلال الإصرار على التغيير ديمقراطيا. إذن، وعلى الرغم من حدة الانقسام الداخلي فإن ذلك لم يدفع الأطراف المتنازعة للجوء إلى العنف المسلح.

أما العامل الخارجي فلا يمكن النظر إليه إلا من خلال نتائج حرب حزيران ١٩٦٧ التي أظهرت عجز الأنظمة العربية عن مواجهة العدو الإسرائيلي،
بعدها انطلق الكفاح الفلسطيني المسلح ليحدد أهدافه بتحرير فلسطين، وبدأت العمليات العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي انطلاقا من الاردن وسورية.


وفي ٢١ آذار / مارس ١٩٦٨، وقعت معركة الكرامة التي تكبدت فيها إسرائيل خسائر فادحة، ما دفعها وحليفها الأميركي إلى وضع خطة بديلة تقوم على استخدام الانقسامات العامودية في كل كيان محيط بالأراضي الفلسطينية المحتلة كي تنهي الوجود الفلسطيني المسلح.
في لبنان، وهنا بيت القصيد، فقد جرى تجييش العصب المسيحي بحجة أن الوجود الفلسطيني المسلح يسعى لإقامة وطن بديل له في لبنان، يشكل خطرًا داهمًا على الوجود المسيحي، ولذلك على القوى المسيحية العمل من أجل المحافظة على استقلال لبنان وسيادته، وساعد على هذا الاتجاه التجاوزات التي ارتكبتها الفصائل الفلسطينية، والفوضى التي عمت البلاد، وقد حاولت هذه الأطراف اللبنانية بتوجيه من الخارج استخدام كل الخطب السياسية لإظهار أن الخطر الرئيسي على لبنان يأتي من الوجود الفلسطيني المسلح، وقد جرت محاولات للوقوف بوجه الوجود الفلسطيني المسلح من قبل القوى العسكرية الرسمية عام ١٩٧٣، لكن المحاولات باءت بالفشل، فلم يعد أمام العامل الخارجي سوى تعميق الانقسام العمودي، ولا سيما أن اليسار اللبناني والمجموعات الطائفية الأخرى كان يرى أن من واجبه الدفاع عن الفلسطينيين بكل الوسائل من دون أن يأخذ بعين الاعتبار بنية المجتمع اللبناني وانقساماته الطائفية، كما افترض أن القوة الفلسطينية ستكون شريكة له في عملية التغيير المرجوة.

لذلك وقع الداخل اللبناني بين شاقوفين، الأول يرى أن المحافظة على لبنان يتطلب إنهاء الوجود الفلسطيني، والثاني نظر إلى لبنان كمساحة جغرافية يستخدمها الفلسطيني في نضاله المسلح، وأن الحروب الأهلية يمكن أن تكون المعبر لعملية التغيير.
لذلك بدأت الحرب الأهلية المسلحة عام ١٩٧٥، والهدف الأساس منها إنهاء الوجود الفلسطيني المسلح على أيدي اللبنانيين، ويدافع عن هذا الوجود أيدي لبنانية أيضًا.
أي أن العامل الخارجي، ما كان سينجح في خطته لولا اتكاله على الانقسام الطائفي الداخلي، وانغماس اليسار في الحرب الأهلية، ووقوفه إلى جانب الإسلام السياسي الساعي لاستبدال المارونية السياسية بالإسلام السياسي.
لكن الصراع المسلح الداخلي، لم ينه الوجود المسلح، فكان الاجتياح الإسرائيلي عام ١٩٨٢، الذي تركز نجاحه في إنهاء الوجود الفلسطيني المسلح، ولذلك أزال الخطر الفلسطيني الخارجي عن دولة الاحتلال الإسرائيلي. لكن الاحتلال الإسرائيلي أجرى عملية جراحية للجسم اللبناني، وأسهم في تكريس الانقسامات العامودية.
واليوم وبديلًا عن التفتيش عن حلول وطنية تسهم في إعادة بناء مؤسسات الدولة في مختلف الميادين، نجد أطراف النظام الطائفي تسعى إلى تعزيز حصتها في الكيان والنظام والسلطة من دون أي التفات لمقاييس المواطنة الفعلية.


ما يشهده لبنان الآن من يوميات يؤشر وصول الداخل اللبناني إلى طريق مسدود، وكل أطراف السلطة تتطلع إلى العامل الخارجي ليرسم لوحته التي تؤمن مصالحه مستخدما الساحة اللبنانية والشعوب اللبنانية التي لم تستفد من دروس حروبها الأهلية السابقة.
إن هذه القراءة السريعة لأسباب بدء الحروب الأهلية المسلحة تؤشر دومًا إلى اتجاه قراءة ما تلا الاجتياح الإسرائيلي للبنان، واستبدال نظام المارونية السياسية بنظام المحاصصة، الذي أبقى على جوهر النظام الطائفي كناظم للحياة ومولد للنزاعات والحروب الأهلية الدورية خدمة أساسية للخارج، وعلى حساب الداخل. وما أشبه اليوم بالبارحة. 

لا توجد وسوم لهذه المقالة.
Subscribe
Notify of
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

مقالات ذات صلة:

اشترك في نشرتنا الشهرية

تابعونا ليصلكم/ن كل جديد!

انضموا إلى قناتنا على الواتساب لنشارككم أبرز المقالات والتحقيقات بالإضافة الى فرص تدريبية معمقة في عالم الصحافة والإعلام.

هل تريد تجربة أفضل؟

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربة التصفح وتحليل حركة المرور وتقديم محتوى مخصص. يمكنك إدارة تفضيلاتك في أي وقت.

ملفات تعريف الارتباط الضرورية

ضرورية لعمل الموقع بشكل صحيح. لا يمكن تعطيلها.

ملفات تعريف الارتباط للتتبع

تُستخدم لمساعدتنا في تحسين تجربتك من خلال التحليلات والمحتوى المخصص.

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x